Friday, October 24, 2008

ديانة نواميس وديانة نعمة


ادْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ!
مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ! (متى13:7، 14)

عندما تنظر الى عالم الدين اليوم تجد العديد من الديانات، الطوائف والفرق. ولكن هنالك ديانتين فقط كما يقترح النص لهذا اليوم. على ناحية واحدة الباب الواسع والرحب الذي يؤدي الى الهلاك. وعلى الناحية الثانية الباب الضيق والطريق الكرب الذي يسير فيه القلائل ويؤدي الى الحياة. من الممكن تصنيف جميع الديانات تحت هذا الباب أو ذاك. الصفة التي تفرق بين الإثنين هي: تقول الواحدة ما يجب على الإنسان أن يعمل لينال الخلاص أو ليستحق الخلاص؛ ويقول الآخر ما عمله الله ليدبر الخلاص للإنسان.
الإيمان المسيحي الحقيقي فريد في دعوته ليقبل الناس حياة أبدية كعطية عن طريق الإيمان. جميع الديانات الأخرى تقول أن الإنسان يجب أن يحصل على خلاصه بالأعمال أو بالأخلاق. يخبرنا الإنجيل كيف تمم المسيح العمل الضروري لفدائنا. الديانات الأخرى تخبر الناس ما ينبغي أن يعملوا ليفتدوا أنفسهم.

الفرق هو ما بين العمل وما قد عُمل.

الفكرة المنتشرة هي أن الصالحين يذهبون إلى السماء والأشرار إلى جهنم. لكن الكتاب المقدس يعلم أنه لا يوجد من هو صالح، وكل من يذهب الى السماء هم الخطاة الذين خلصوا بنعمة الله. إنجيل المسيح يلغي التفاخر؛ يقول للإنسان أنه لا يمكنه أن يقوم بأية أعمال تجعله مستحقا أن يكسب نعمة لأنه ميت بالخطايا والآثام. جميع الديانات الأخرى تغذي كبرياء الإنسان بالإشارة إلى أن هناك ما يمكنه أن يعمل ليخلص نفسه أو ليساهم في خلاصه.
جميع الديانات الكاذبة هي "طريق تظهر للإنسان مستقيمة " لكنها أيضاً هي الطرق التي تنتهي بالموت (أمثال12:14). الخلاص بالإيمان بيسوع المسيح يبدو "سهلا" للإنسان لكن هذه هي الطريق التي تؤدي إلى الحياة. في الديانات الكاذبة يسوع لا شيء أو فقط شيئا ما. في الإيمان المسيحي الحقيقي يسوع هو كل شيء.

لا يوجد في الديانات الأخرى تأكيد حقيقي على الخلاص لأن الشخص لا يعرف أبدا إن عمل ما يكفي من الأعمال الصالحة أو من الأنواع الصحيحة. يستطيع المؤمن بيسوع أن يعرف انه مخلص لأن الخلاص لا يعتمد على أعماله لكن على أعمال المسيح لأجله.
ديانتان فقط- الواحدة ديانة نواميس والأخرى ديانة نعمة. الواحدة بالأعمال، الأخرى بالإيمان. الواحدة بالعمل، الأخرى بالإيمان. الواحدة بالمحاولة، الأخرى بالثقة. تؤدي الأولى إلى الدينونة والموت والثانية إلى التبرير والحياة.

Tuesday, October 14, 2008

المسيحية تنتصر .. بالإضطهاد


ما عاشت المسيحية ولا ازدهرت وانتشرت لولا الإضطهادات التي تعرض لها المسيحيون ، لهذا نجد كلام بولس الرسول في رسالته الثانية إلى طيموثاوس يقول : وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ. فمنذ القرون الأولى للمسيحية ، بل منذ نشاتها ، أي منذ أن بدأ السيد المسيح تعليمه ، بدأت الإضطهادات ، ولهذا انتشرت بين البشر وراح الناس يؤمنون بتعاليم السيد المسيح منذ ألفي سنة وحتى الآن ، وراحت المسيحية تدخل البيوت والقلوب معا .

فمنذ نشوئها وحتى يومنا هذا ، تعرّضت المسيحية لتحديات كبيرة حاولت أن تعصف بكيانها وتهدم صرحها ، لكن وعد المسيح بأن يبني كنيسته على صخرة الإيمان ، وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها. كانت تفسيرا لما سيحدث للمسيحيين كبشر ، وللمسيحية ككيان إيماني .. لهذا فإن كل ما تعرضت له من تعسف وإضطهاد ، ومن مختلف ( القوى) سواء أكانت عسكرية ( رومانية) أو سياسية أو دينية أو إلحادية بائت بالفشل ..لأن هذه القوى هي التي سماها السيد المسيح ب ..( أبواب الجحيم) التي كانت تستهدف شخص المسيح أولا ، ومشروعه الخلاصي ( أي المسيحية ) ثانيا .


فبعد أن شرع السيد المسيح بنشر دعوته الخلاصية ورسالته الإيمانية ، راح الأحبار ورؤساء المجامع يحاولون هدم تعاليمه وكسر شوكته ، حتى وصل الأمر إلى محاكمته باستخدام السلطة الحاكمة ثم صلبه بعد تلقيه الإهانات والتعسف .. لكنه انتصر . ثم بدأ التنكيل بالتلاميذ والرسل ، حيث راحت السلطات الدينية تبذل كل جهدها لإخراس صوت التلاميذ ومنعهم من التبشير باسم معلمهم ، فاضطهدوا وقتلوا .. لكنهم انتصروا .

بعدها حاولت الدولة الرومانية وعملائها ، التنكيل بالمسيحيين ومنعهم من أداء طقوسهم ، فهدمت وأحرقت الكنائس، ثم اضطهدت أتباع الديانة المسيحية حتى وصل الأمر إلى احراقهم ورميهم للوحوش الضارية ، ومسرح ( الكولوزيوم) بايطاليا خير شاهد على صحة ما نقول .. لكن المسيحية انتصرت بعد أن أصبحت الدولة الرومانية مركزا للمسيحية . وتكررذلك في دول عديدة ، خاصة الدول التي حملت ديانات جديدة ، حيث حاولت أن تسحب البساط من تحت أقدام المسيحية وتجهض مسيرتها بشتى الطرق ، في دول أفريقيا الشمالية ، والشرق الأوسط ، لكنها لم تحصد إلا الهواء ، حين صمدت المسيحية بوجه كل التيارات المضادة .. وانتصرت . ثم جاء ( الإلحاد) الذي حاول بطريقة أذكى من التيارات الدينية الأخرى أن يسقط المسيحية ، تارة بالقوة ، وأخرى بالإغراء ، وثالثة بالإضطهاد ، لكنه لم يستطع زعزعة الصخرة التي بناها السيد المسيح ، فانهار الإلحاد ككيان ، وانتصرت المسيحية .

والآن .. فإن ما يتعرض له المسيحيون في العراق ولبنان وبقية دول الشرق الأوسط من أعمال تنكيل واختطاف وقتل وتهجير ، هو عودة لزمن الإضطهادات التي بدأها الإمبراطور نيرون في العام 64 للميلاد ودامت ثلاثة قرون ، لم تنته أو تتوقف إلا لفترات شهدت فيها المسيحية ككل والكنيسة بشكل خاص ، انتعاشا وتقدما ، حتى وصلت من حيث الإنتشار إلى ما هي عليه الآن . ان الحرب على المسيحية ( في الأماكن المذكورة) والتي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين هي حرب عقائدية لا تستهدف شخص السيد المسيح فحسب ( كما كانت أهداف الإضطهادات الأولى ) بل هي حرب شرسة تستهدف العقل المسيحي باستخدام اسلوب التشكيك بالعقيدة المسيحية ، وصولا لوضع القلق النفسي في عقول البعض من ضعاف النفوس والتي تغرى بالمال او الجاه او المنصب .. اما المتمسكين بايمانهم المسيحي ، المحصنين نفسيا وعقليا وايمانيا ، فالقتل والتهجير واعمال العنف والتعسف هو ما يتلقونه ..

ان الإيمان المسيحي ، راسخ في قلوب ملايين بل مليارات البشر ، وهذا الإيمان راسخ في ثوابت لا يمكن أن تتزحزح .. منها موت المسيح على الصليب وافتدائه للبشر ( جميعا) ، ثم القيامة وهي حقيقة واقعة ، لأن المؤمنين بها ينتظرون مجيء المسيح ثانية .. وهناك سيكون الإنتصار الكبير .



Saturday, September 6, 2008

مقال عن الأقنوم بقلم حامى الايمان




ما معنى كلمة أقنوم؟




Hypostasisكلمة اقنوم باليونانية هى هيبوستاسيس، وهى مكونة من مقطعين: هيبو وهى تعنى تحت، وستاسيس وتعنى قائم أو واقف، وبهذا فإن كلمة هيبوستاسيس تعنى تحت القائم ولاهوتيا معناها ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة. والأقنوم هو كائن حقيقى له شخصيته الخاصة به، وله إرادة، ولكنه واحد فى الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير إنفصال.

* من هم الاقانيم الثلاثة؟

الأقانيم الثلاثة هما الاب والابن والروح القدس: فالآب هو الله من حيث الجوهر، وهو الأصل من حيث الأقنوم. والابن هو الله من حيث الجوهر، وهو المولود من حيث الأقنوم. والروح القدس هو الله من حيث الجوهر، وهو المنبثق من حيث الأقنوم.

* كيف أن الجوهر الإلهى واحد ومع هذا فإن هناك ثلاثة أقانيم متمايزة ومتساوية؟

لشرح فكرة الجوهر الواحد لثلاثة اقانيم متمايزة ومتساوية فى الجوهر نأخذ مثالاً مثلث من الذهب الخالص، له ثلاثة زوايا متساوية أ، ب، جـ

الرأس (أ) هو ذهب من حيث الجوهر
.
الرأس (ب) هو ذهب من حيث الجوهر.
الرأس (جـ) هو ذهب من حيث الجوهر.

فالرؤوس الثلاثة لهم جوهر واحد، وكينونة واحدة، وذهب واحد، هو جوهر المثلث ولكن (أ) ليس نفسه هو (ب)، (ب) ليس نفسه هو (جـ)، (جـ) ليس نفسه هو (أ) لأن (أ) لو كان هو (ب) لانطبق الضلع (أ جـ) على الضلع (بجـ) وبذلك ينعدم الذهب لو طبقنا نفس الفكرة بالنسبة للثالوث القدوس: الآب هو الله من حيث الجوهر. الابن هو الله من حيث الجوهر. الروح القدس هو الله من حيث الجوهر.
والثلاثة يتساوون فى الجوهر والجوهر نفسه الإلهي هو فى الاب والابن والروح القدس. ولكن الآب ليس هو نفسه الابن وليس هو نفسه الروح القدس، وكذلك الابن ليس هو نفسه الروح القدس وليس هو نفسه الآب، وكذلك الروح القدس ليس هو نفسه الآب وليس هو نفسه الابن.



* هل يمكننا أن نقول إن الكينونة فى الثالوث القدوس قاصرةعلى الآب وحده؟ والعقل قاصر على الابن وحده؟ والحياة قاصرة على الروح القدس؟


لا... لا يمكننا أن نقول هكذا، فينبغى أن نلاحظ أنه طبقا لتعاليم الآباء فإن الكينونة أو الجوهر ليس قاصرا على الآب وحده، ففى قداس القديس غريغوريوس النزينى نخاطب الابن ونقول: (أيها الكائن الذى كان والدائم إلى الأبد)، لأن الآب له كينونة حقيقية وهو الأصل فى الكينونة بالنسبة للابن والروحالقدس، والابن له كينونة حقيقية بالولادة الازلية، والروح القدس له كينونة حقيقية بالانبثاق الأزلى، ولكن ليس الواحد منهم منفصلا فى كينونته أو جوهره عن الآخرين.


وكذلك العقل ليس قاصرا على الابن وحده، لان الآب له صفةالعقل والابن له صفة العقل والروح القدس له صفة العقل، لأن هذه الصفة من صفات الجوهر الالهى. وكما قال القديس اثناسيوس الرسول: (إن صفات الآب هى بعينها صفات الابن إلا صفة واحدة وهى أن الآب آب والابن ابن. ثم لماذا تكون صفات الآب هى بعينها صفات الابن؟ إلا لكون الابن هو من الآب وحاملا لذات جوهر الآب)، ولكننا نقول إن الابن هو الكلمة (اللوغوس) أو العقل المولود أو العقل المنطوق به، أمامصدر العقل المولود فهو الآب.


وبالنسبة لخاصية الحياة فهى أيضا ليست قاصرة على الروح
القدس وحده لان الآب له صفة الحياة والابن له صفة الحياة والروح القدس له صفةالحياة، لأن الحياة هى من صفات الجوهر الجوهر الالهى. والسيد المسيح قال: (كما ان الآب له حياة فى ذاته كذلك أعطى الابن ايضا أن تكون له حياة فى ذاته) (يو 5: 26). وقيل عن السيد المسيحباعتباره كلمة الله: " فيه كانت الحياة " (يو 1: 4). ولكن الروح القدس نظرا لأنه هو الذى يمنح الحياة للخليقة لذلك قيل عنه إنه هو: (الرب المحيى) (حسب قانون الايمان والقداس الكير لسى)، وكذلك كأنه هو (رازق الحياة) أو (معطى الحياة) .

من الخطورة أن ننسب الكينونة إلى الآب وحده، والعقل إلى الابن وحده، والحياة إلى الروح القدس وحده، لأننا فى هذه الحالة نقسم الجوهر الالهى الواحد إلى ثلاث جواهر مختلفة. أو ربما يؤدى الأمرإلى أن ننسب الجوهر إلى الآب وحده (طالما أن له وحده الكينونة)، وبهذا ننفى الجوهر عن الابن والروح القدس، أو نلغى كينونتيهما ويتحولان بذلك إلى صفات لأقنوم إلهى وحيد هو أقنوم الآب.

* هل هناك علاقة بين طبيعة الله (الله محبة) وبين فهمنا للثالوث القدوس؟

نعم هناك علاقة أكيدة: إن مفتاح المسيحيه كما نعلم – هو ان "الله محبة" (رسالة يوحنا الاولى4: 8، 16). ونحن نسأل من كان الآب يحب قبل أن يخلق العالم والملائكة والبشر؟ إذا أحب الآب ،
نفسه يكون أنانياًوحاشا لله أن يكون هكذا، إذاًلابد من وجود محبوب كما قال السيد المسيح فى مناجاته للاب قبل الصلب: " لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم " (يو 17: 24)... وبوجود الابن قبل إنشاء العالم وفوق الزمان أى قبل كل الدهور، يمكن أن نصف الله بالحب أزلياً وليس كأن الحب شيئ حادث أو مستحدث بالنسبة للآب. فالأبوة والحب متلازمان، طلما وجدت الأبوة فهناك المحبة بين الآب والابن. ولكن الحب لايصير كاملا إلا بوجود الأقنوم الثالث، لأنالحب نحو الأنا هو أنانية وليس حباً، والحب الذى يتجه نحو الآخر الذى ليس آخر سواه (المنحصر فى آخر وحيد) هو حب متخصص رافض للإحتواء (exclusive love) بمعنى أنه حب ناقص ولكن الحب المثالى هو الذىيتجه نحو الآخر وعلى كل من هو آخر (inclusive love) وهنا تبرز أهمية وجود الأقنوم الثالث من أجل كمال المحبة.
وإذا وجدت الخليقة فى أى وقت وفى أى مكان فهى تدخل فى نطاق هذا الحب اللانهائى، لأن مثلث الحب هنا هو بلا حدود ولا مقاييس. هذا الحباللانهائى الكامل يتجه أيضاً نحو الخليقة حيثما وحينما توجد، كما قال السيدالمسيح للآب: " ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم "(انجيل يوحنا 17: 26)...

إن الحب الكامل هو الحب بين الأقانيم الثلاثة وهذا هو أعظم حب فى الوجودكله.

لكن قد يسأل سائل لماذا لا تكون الأقانيم أربعة أو خمسة؟

وللرد نقول إن أى شيئ ناقص فى الله يعتبر ضد كماله الإلهى، كما أن أى شيئ يزيد بلا داع يعتبر ضد كماله الإلهى. إن مساحة مثلث الحب هذا هى ما لا نهاية، أى أن مساحة الحب بين الأقانيم الثلاثة هى ما لا نهاية، ومثلث الحب هذا يتسع حتى يشمل كل الخليقة، فأى كائن يقع داخل نطاق المثلث يشمله هذا الحب، فما الداعى لرأس
رابع أو خامس؟



Sunday, May 25, 2008

شفاء الأعمى ولقاء يسوع بزكّا






قراءة روحيّة

الرابط بين شفاء الأعمى ولقاء يسوع بزكّا هو أنّهما جريا في أريحا. الأوّل فقير يستعطي والثاني غنيّ رئيس للعشّارين. الاثنان يسعيان للوصول إلى يسوع. الاثنان عندهما عائق يمنعهما من ذلك (الأوّل أعمى والثاني قصير القامة). لكنّهما في النهاية سيصلان إلى مبتغاهما. كيف تمّ ذلك بحسب رواية إنجيل لوقا؟ ما هي العبر الروحيّة التي نتغذّى منها؟

شفاء الأعمى




- نراه في البدء جالسًا على جانب الطريق وفي النهاية يتبع يسوع. كيف جرى هذا التحوّل؟
- أعمى يستعطي (شحّاذ)، حُرم النظر فلم ييأس؛ استعمل السمع. تقبّل ما عنده من نقص (إعاقة) ولكنّه استغلّ ما عنده. لم يجلس "يندب حظّه" على فقدان النظر. استغلّ حواسه الأخرى للوصول إلى مبتغاه... لم يطمر الوزنة التي حصل عليها.
- عندما سمع صوت الجمع استخبر: ما عسى أن يكون. فاخبروه أنّ يسوع الناصريّ مارّ من هناك. بمعنى آخر لو لم يستخبر لما أخبروه. عرف كيف يقرأ العلامات المحيطة به وعدم اعتبارها شيئًا طبيعيًّا. فالأشياء الطبيعيّة قد تحمل أشياء غير عاديّة: يسوع الناصري. أساسيّ جدًّا أن ننبهر أمام الأشياء الطبيعيّة العاديّة لعلّها تقودنا إلى الذي هو في أساسها.
- أخبروه أنّ يسوع الناصريّ مارّ من هناك. فأخذ يصيح: "رحماك يا يسوع ابن داود". الجمع يُخبر الأعمى بما رأوه: يسوع بنسبه البشريّ، بأصله الزمنيّ؛ أخبروه بما تراه أعينهم الأرضيّة. أمّا هو فرأى أبعد مما رأوه: "يسوع ابن داود"؛ إنّه يراه بعين الإيمان، يرى نسبَه المسيحانيّ، أصله الإلهيّ. فالأعمى يظهر كمثال المؤمن الذي يرى أبعد مما يراه الآخرون؛ بل أكثر من ذلك، يُعلن ما يراه بعين الإيمان مرّة ومرّتين، ويزداد صياحًا عندما يجد معارضين لهذا الإيمان ولا يهابهم. فلو سكت نزولاً عند طلب الجمع لما حدث أيّ تغيير في حياته.
- "فوقف يسوع وأمر بأن يؤتى به". توقّف يسوع لأنّه سمع شخصًا يناديه مُباشرة باسمه، أي بهويّته الحقيقيّة. إنّها حقيقة إيمانيّة تتمحور حولها تصرّفات المؤمن وصلاته وكلّ حياته: يسوع يتوقّف عند طلبتنا، يتوقّف ليستمع إلينا، يتوقّف ليدعونا لنقوم أمامه.
- أمام صرخة الأعمى: "يا ابن داود ارحمني"، يسوع يسأله: "ماذا تريد أن أصنع لك؟" يدخل يسوع في حوار مع الأعمى. يسوع ينزل عند رغبته ولا يتجاوز إرادة الإنسان (رغبة الإنسان ضروريّة لكّنها غير ملزمة بحسب خير الإنسان الذي يعرفه يسوع). فيسوع لا يعمل الأشياء التي ليست لخيرنا؛ ولا يستطيع أن يعمل أشياء لا تتناسب مع طبيعته (مساعدتنا على السرقة مثلاً).
- يسوع يسأل الأعمى ضمن "وظيفته". إنّه شحّاذ متسوّل؛ يسوع يسأله بكلّ بساطة: ماذا تريد؟ بمعنى آخر، يسوع يطال الإنسان حيثما كان، يطاله في حياته العاديّة وضمن منطقه، ولكن لا ليبقيه في مكانه بل ليدفعه إلى الأمام.
- "يا ربّ أن أبصر". طلبُ الأعمى يبدأ بإعلان هويّة يسوع الأساسيّة: يا ربّ. وعلى هذا الأساس (ألوهيّة يسوع) يسأله ما يستطيع أن يعمله: أن أبصر.
- "أبصر إيمانك خلّصك". ما هو إيمان الأعمى؟ لا يقتصر إيمان الأعمى على الإعلان: ابن داود، يا ربّ، بل يشمل كلّ المسيرة التي قام بها.
- أبصر الأعمى، لكنّ القصّة لم تنتهِ. نتيجة إيمانه لم تكن عودة الرؤية إليه فقط. هناك نتيجة مزدوجة: شخصيّة وجماعيّة. على الصعيد الشخصيّ، رأى، تبع يسوع، مجّد الله؛ على الصعيد الجماعيّ، الشعب بأجمعه رأى، سبّحوا الله. فالذين كان لهم دور سلبيّ مع الأعمى، كان للأعمى دور إيجابيّ معهم.
- خاتمة: توقّفنا على كلّ الكلمات التي وردت في رواية شفاء الأعمى، وأخذت كلّها معناها الروحيّ. ولكن تبقى كلمة واحدة وردت مرّتين في النصّ لم نتطرّق إليها، وهي في أساس علاقة الأعمى بيسوع: إنّها الرحمة. "رحماك"، ارحمني". إنّها المحور الذي تدور حوله أحداث النصّ كلّها: رحمة يسوع التي تُظهر رحمة الله؛ لذلك نرى في نهاية الرواية: اتّباع يسوع وتمجيد الله.

اللقاء مع زكّا

- بعد اقترابه من أريحا، يسوع يدخل أريحا. زكّا رئيس العشّارين له هدف واضح: "يُحاول أن يرى من هو يسوع". ويبدأ سعيه للوصول إلى غايته.
- يصطدم زكّا بعائق مزدوج: كثرة الزحام وقصر القامة. وكما هي الحال مع الأعمى، لم يتوقّف زكّا عند أوّل صعوبة. فالذي يسعى للوصول إلى يسوع يعمل المستحيل (حاملو المخلّع، مثلاً، ثقبوا السقف؛ زكّا صعد جميّزة؛ النازفة اخترقت الجموع...)
- قام زكّا بمجهود شخصيّ. صعد ليرى يسوع، وإذا بيسوع يرفع نظره ويرى زكّا. يسوع يطال الإنسان حيث هو: على قارعة الطريق أو على جميّزة، فقيرًا كان أم غنيًّا، شحّاذًا أو رئيس عشّارين...
- لم يتخطّ يسوع مجهود زكّا بل تمّمه: كمّله وأعطاه معناه وأوصله إلى الغاية المنشودة الحسنة. لذلك دعاه للنزول على عجل لأنّ يسوع سيُظهر نفسه لزكّا من خلال دخوله بيته.
- هدف زكّا ليس رؤية يسوع بعين الجسد (طوله، لون شعره، ماذا يرتدي...) وإلاّ لكان قد وصل إلى غايته عند صعوده إلى الجمّيزة وانتهت الرواية. ولكّننا نراه ينزل سريعًا عندما دعاه يسوع لأنّ زكّا يفتّش عن شيء أعمق.
- ينزل زكّا ويستقبل يسوع فرحًا مسرورًا لأنّ هدفه بدأ يتحقّق. رأى يسوع بعينيه وسيراه بقلبه.
- الجمع الذي كان يشكّل حاجزًا بين زكّا ويسوع سيستاء ويتذمّر: "دخل بيت رجل خاطئ ليبيت عنده". هذا صحيح! لكنّ يسوع دخل بيت الخاطئ لا ليُبقيه خاطئًا بل ليحوّله إلى تائب مكفّر عن خطيئته.
- خطيئة زكّا رئيس العشّارين معروفة؛ أمّا خطيئة الشعب فهي أنّه عندما يكوّن فكرة عن إنسان معيّن يرفض أن يغيّرها وكأنه يحكم على ذلك الإنسان بأنّه لن يتغيّر ويحكم على قدرة الله التي باستطاعتها أن تجعل الإنسان يتجدّد وأن تخلقه إنسانًا جديدًا.
- لم يقل يسوع لزكّا أيّ شيء عن خطيئته. لكنّ زكّا، بمجرّد وجوده أمام يسوع يرى خطيئته ويعرف أنّها العائق الوحيد الذي يمنعه عن رؤية َمن هو يسوع. لذلك كان على زكّا أن يُكفّر عن خطيئته أوّلاً ويتوب عنها. توبة زكّا توبة عمليّة.
- كيف كانت توبة زكّا؟ قبل أن يتحدّث عن ماضيه، يتكلّم زكّا عن الحاضر والمستقبل: ها إنّي أعطي الفقراء نصف أموالي، وإذا ظلمت أحدًا أردّه عليه أربعة أضعاف. فالندامة الحقيقيّة تبدأ بالحديث عن المقاصد المستقبليّة ثم تنتقل للندامة عن الماضي وللتكفير عنه.
- بعد ذلك يُعلن يسوع أنّ الخلاص قد حصل لهذا البيت. فما هو الخلاص؟ مع الأعمى، "إيمانك خلّصك": فالأعمى موجود في حضرة يسوع ويطلب رؤيته بعد أن أعلن إيمانه وأزال الحواجز الخارجيّة والداخليّة. مع زكّا، "اليوم،حصل الخلاص لهذا البيت": زكّا في حضرة يسوع وقد أزال كلّ الحواجز الداخليّة والخارجيّة. فلماذا لا يحصل الخلاص لزكّا الذي آمن (إذ هو ابن إبراهيم أبي المؤمنين)؟
- زكّا يسعى ليرى من هو يسوع، فإذا بيسوع يرى زكّا. زكّا يبحث عن يسوع، فإذا بيسوع ابن الإنسان يبحث عن زكّا الهالك ليمنحه الخلاص. زكّا يبحث ليرى مَن هو يسوع، وإذا بيسوع يكشف عن نفسه لزكّا. من هو يسوع؟ هو ابن الإنسان الذي جاء ليبحث عن الهالك ويُخلّصه؛ إنّه الخلاص.
- خاتمة: هناك كلمة تتكرّر مرّتين في نصّ زكّا وهي كلمة "اليوم" (يجب عليّ أن أقيم اليوم في بيتك؛ اليوم حصل الخلاص لهذا البيت). والاثنتان تردان على لسان يسوع. خلاص الله لا يتأخّر؛ إنّه معطى "اليوم" لكلّ من يطلبه. على الصليب مثلاً، عندما طلب اللص من يسوع أن يذكره في ملكوته، أجابه يسوع: "اليوم تكون معي في الفردوس". في مجمع الناصرة يُعلن يسوع: "اليوم تمّت هذه الكتابة". كلام الله وخلاصه بيسوع موجّهان لنا دائمًا في صيغة الحاضر: "اليوم".
- ملاحظة: ما هو الرابط بين الروايتين وبين مدينة أريحا؟ أريحا هي أوّل مدينة دخلها العائدون من مصر والداخلون إلى أرض الميعاد. أريحا مدينة مدمّرة ولا خلاص لها (يشوع 1-6 خاصّة 6: 26). مع يسوع ستحصل على الخلاص (اسم زكّا يعني "المنتصر"). المدينة المدمّرة سيُعطيها الربّ الحياة بعد أن فقدت كلّ أمل ورجاء بالحياة.

خلاصة وأفكار للتأمّل




- الفقير والغنّي على السواء هما بحاجة إلى يسوع. يسوع يُلبّى الحاجة النفسيّة والجسديّة.
- في السعي نحو يسوع يكفي على الإنسان أن يخطو خطوة نحو يسوع حتى يجد يسوع يتمّمها له ويقوده خطوة بعد الأخرى في السير وراءه. إرادة الإنسان أساسيّة. (الله الذي خلقك بدونك لا يستطيع أن يُخلّصك بدون إرادتك).
- لكي ترى يسوع بقلبك عليك مثل زكّا أن تمرّ بتنقية ذاتك تنقية عمليّة.
- أنا أبحث عن يسوع، أنتظره؛ ولكن هو الذي يكشف لي عن نفسه وعن هويتّه: هو الخلاص، هو الذي يبحث عنّى ويُخلّصني.
- مع يسوع لا شيء يبقى مدمّرًا، لا شيء يبقى دون أمل ورجاء. حتّى المدينة التي وقفت في وجه شعب الله ستنال الخلاص لأنّها بحثت عن يسوع وتابت توبة حقيقيّة وسألته الرحمة.
- يسوع يزرع الرجاء والخلاص حيث نعتبر أنّ كلّ أمل بالحياة قد فُقد.


الأب أنطوان عوكر






















يسوع ونيقوديمس



يسوع ونيقوديمس


هذا اللقاء بين يسوع ونيقوديمس، يتحدّد موقعه داخل لقاءات ثلاثة مع حامل وحي الآب. نيقوديمس، الرئيس اليهودي (3: 1- 21)، السامرية التي انفصلت عن الدين اليهودي (4: 1- 42)، الموظف الملكي الذي هو وثني (4: 46- 54).
ونبدأ بالمقدمة (آ 1- 2 أ). جمع الراوي في هاتين الآيتين عناصر تعرّفنا بهوية الشخص، بصفته كفرّيسي وكوجيه يهودي. تعرّفنا بالظرف الذي فيه جاء إلى يسوع (ليلاً).
سيذكر نيقوديمس مرتين فيما بعد في إنجيل يوحنا. في 7: 50 وفي 19: 39. يقال عنه في المرة الأولى: "هو الذي جاء قبلاً إلى يسوع". أراد أن يدافع عن يسوع: "أتحكم شريعتنا على أحد قبل أن تسمعه وتعرف ما فعل" (آ 51)؟ وفي المرة الثانية يقال: "وجاء نيقوديمس وهو الذي ذهب إلى يسوع ليلاً من قبل. جاء مع يوسف الرامي لكي يحنّطا جسد يسوع. هل نعتبر هذه الفعلة التقوية بمثابة إرتداد من قبل ذاك الذي ظلّ صديق يسوع حتى النهاية؟ ولكن هناك من يتجاوز تعاطف القارىء مع نيقوديمس فيقول مع أغوسطينس: "جاء في الليل، وذهب في الليل. إنه لم يخطُ الخطوة الأخيرة التي تقوده إلى النور. ولكن مهما يكن من أمر، ففي هذا المقطع (3: 1- 13) يركّز يوحنا إنتباهنا على موضوع اللقاء: نؤمن أو لا نؤمن بالهوية الحقيقية ليسوع في ملئها الكرستولوجي.

إن الملاحظات العابرة التي تفتتح هذا الفصل، تعرّفنا إلى الشخص وإلى موضوع الحوار. فالليل هو زمن سري يتيح للذي يخاف أن يظلّ متخفياً. ولكنه بشكل خاص الزمن المميّز الذي فيه نتأمّل سرّ الله. لقد اعتاد الرابانيون أن يكرّسوا لياليهم لدراسة الكتب المقدّسة. والذي جاء إلى لقاء يسوع هو ممثّل الشعب اليهودي. إذن تتحلّى زيارته بطابع رسمي. فكأني بيسوع مدعو لكي يحدّد موقعه داخل العالم اليهودي.
تركّزت كل المعلومات في هاتين الآيتين. بعد هذا، تختفي العناصر الخبرية العابرة، ليبرز موضوع الحوار والوحي الذي ينهي هذا الحوار.
هناك حواران بين يسوع ونيقوديمس. في الأول، يبدأ نيقوديمس الكلام فيقول: "نحن نعرف" (آ 2 ب- 3). وفي الثاني، يتساءل: "كيف يولد الانسان ثانية"؟
موضوع الحوار الأول: المعرفة أم الولادة. قدّم نيقوديمس نفسه كممثّل للسلطات اليهودية وتكلّم باسمها. لقد رأى في يسوع "مرسل الله". حدّد له موقعه. فالآيات التي يصنعها تدلّ على أن الله معه كما كان مع موسى (خر 3: 12 حسب السبعينية) ومع إرميا (إر 1: 8). هناك عدد من الرابانيين حسبوا أنبياء حقيقيين. ونيقوديمس جعل يسوع بينهم، جعله في سلسلة مرسلي الله في تاريخ الخلاص. وقد يكون رأى فيه النبي الذي أعلن موسى عن مجيئه في تث 18: 18: "سأقيم لهم نبياً من بين اخوتهم مثلك وألقي كلامي في فمه".
آمين، آمين. الحق، الحق أقول لك. تعلن هذه الكلمات في إنجيل يوحنا، وحياً إحتفالياً هامّاً. أما جواب يسوع فيقع في إطار سوء التفاهم. حين أجاب يسوع، جعل نفسه على مستوى يختلف عن السؤال المطروح، حيرّ محاوره: تظاهر بأنه فهم كلمة نيفوديمس كسؤال شخصي. فكأني بنيقوديمس يشبه الوجيه الذي أراد أن يعرف ماذا يجب عليه أن يفعل ليرث الحياة الأبدية (لو 18: 18).
حدّد نيقوديمس موقعه على مستوى المعرفة. هو يعرف ويسوع يعرف. هو معلّم ويسوع معلّم. ولكن يسوع سيقول له فيما بعد: "أنت معلّم في إسرائيل ولا تعرف" (آ 10)؟ لهذا عرض عليه ولادة جديدة: أنت تريد أن تعرف. وأنا أعرض عليك ولادة جديدة. ركّز نيقوديمس سؤاله على يسوع وعلى هويته. ولكن يسوع امّحى في تلك اللحظة، فوجّه كلامه عبر نيقوديمس، إلى كل إنسان: "لا يقدر أحد (أي: إنسان) أن يرى الملكوت".
قال يوحنا: يرى الملكوت. قال الإزائيون: يدخل الملكوت. إن عبارة يوحنا تشدّد على البعد الوجودي: هناك خبرة ولقاء ومشاركة. وقد يلمّح يسوع تلميحاً أوّل إلى رسالته: من يرى يسوع يرى الآب. هذا ما قاله لفيلبس بعد العشاء السري. "يا فيلبس، من رآني رأى الآب" (يو 14: 9).
أما الآن، فيشدّد يسوع ويلتح بأن على كل إنسان أن ينتقل من "عرف" إلى "ولد". ثم إن الظرف اليوناني المستعمل يحمل معنيين أو أكثر: ولد "من فوق". ولد "من جديد"، أو مرة ثانية. ولد "منذ البدء". لم يخفَ هذا الالتباس على الإنجيلي. فهذه الولادة تأتي (من فوق). إنها عمل الله وحده. ولكننا أمام ولادة جديدة وبداية ثانية. تكلّم الإزائيون عن الذين "يصيرون كالأطفال" (مت 18: 3) فشدّدوا بالأحرى على النداء إلى الإرتداد والتوبة. أما عند يوحنا، فلم يذكر حرف التشبيه (الكاف: كالاطفال). قال: يجب أن نصير أطفالاً. يعني: أن نولد من جديد.
وننتقل إلى الحوار الثاني في (آ 4- 10).
ما استطاع نيقوديمس أن يرتفع إلى مستوى يسوع. سار في خط الحوارات الرابانية، فقدّم إعتراضين ليسوع. الأول: "كيف يستطيع الإنسان أن يولد وهو كبير في السن"؟ الثاني: "هل يستطيع الإنسان أن يعود (يدخل) إلى بطن أمه"؟ وسيمتدّ سوء التفاهم فيعطي ليسوع إمكانية توضيح الوحي الذي يحمله. وسوء التفاهم هذا سنجده أيضاً مع السامرية التي حدّثها يسوع عن الماء الحي، فظلّت على المستوى المادي وقالت له: "أعطني من هذا الماء يا سيدي، فلا أعطش ولا أعود إلى هنا لأستقي" (4: 15). كما سنجده أيضاً مع الشعب بعد تكثير الأرغفة. قالوا له: "يا سيد، أعطنا كل حين من هذا الخبز" (6: 34). وفي الجدال حول إبراهيم: "كيف رأيت إبراهيم وما بلغت الخمسين بعد" (8: 57)؟ بل في حديثه مع التلاميذ. قال له فيلبس: "يا سيد. أرنا الآب وكفانا" (14: 8).
سأل نيقوديمس: "كيف"؟ أجاب يسوع بشكل دقيق وبلهجة إحتفالية مع تكرار: آمين، آمين. الحق الحق أقول لك. كان هناك التباس، فرفع الالتباس. لا يستطيع الانسان أن ينال إمكانية الولادة الثانية إلاّ من الآب وحده. يجب أن نُولد من الماء والروح. فالولادة بالروح تتمّ بواسطة ماء العماد. حين روى الإنجيل خبر يسوع، اهتمّ بأن يبين أن المتطلّبات المفروضة في زمن حضور يسوع التاريخي، ظلّت هي هى في زمن الكنيسة.
وُلد ثانية بالروح. فعلى مدّ التوراة، قدّم الله لشعبه إمكانية الحصول على "قلب جديد" (حز 11: 19؛ رج 36: 26- 27؛ أش 44: 3؛ ار 31: 33). هذا ما استطاع أن يفهمه نيقوديمس، بل مجمل الجماعة اليهودية. ولكن القسم الأكبر من الشعب اليهودي الذي يرمز إليه نيقوديمس هنا، لم يستطيع أن يتقبّل هذه الولادة الجديدة التي يدعوه إليها يسوع.
ويشدّد هذا الجزء الثاني من الحوار على الفاعل وعلى نتائج هذا التحوّل. فالفاعل الوحيد هو الله بواسطة روحه. فكلمة "بنفما" تعني الروح القدس وتعني الريح. وهي تتردّد أربع مرّات في آ 5- 8. هنا يتعارض عالم الله (الذي لا ندرك ينبوعه: "لا تعرف من أين يأتي ولا إلى أين يذهب") مع عالم الإنسان. "الجسد" (أو البشرية واللحم والدم) هو الوجود الأرضي والسريع العطب.
نحن لا نرى إلاّ نتائج عمل الريح والروح: كما أننا نسمع صفير الريح، كذلك تُرى أعمال الناس المولودين ثانية من الروح (كنيسة يوحنا). "هكذا كل من يولد من الروح".
قاد يسوع الحوار بسلطته، وأوقفه ساعة شاء مع الذي جاء كمعلّم في إسرائيل. وانتهى القسم الأول من الفصل مع خيبة أمل يسوع: "أنت معلّم في إسرائيل ولا تعرف هذه الأمور" (آ10). وأعيد المعلّم إلى الكتاب والدرس.
وسار نيقوديمس مسافة طويلة مع يسوع. وسيبيّن لنا وَليْ الإنجيل أنه سيظلّ متعاطفاً مع المجموعة المسيحية: ويمكن أن يكون صار مؤمناً فيما بعد، غير أن يوحنا ركّز خبره هنا على فشل نيقوديمس، فما عاد يهتم بمعلومات عابرة. وشرح أغوسطينس هذا النص مشدّداً على الرمزية فقال: "جاء نيقوديمس إلى الرب. ولكنه جاء ليلاً. جاء إلى النور ولكنه جاء في الظلمة. بحث عن النهار في الظلمة... ولكنه تكلّم إنطلاقاً من ظلمة بشريته (ضعفه). لقد صار نيقوديمس هنا صورة ورمزاً: فعبره انتهت المواجهة الليلية والحقيقية بين يسوع والعالم اليهودي في سوء التفاهم. وسوء التفاهم هذا الذي ما زال يفصل المسيحيين عن اليهود، يكمن في هوية يسوع. ففي نظر البعض (نيقوديمس ويهود عصره) يسوع هو نبي أرسله الله. وفي نظر البعض الآخر (المسيحيون) يسوع هو كائن لا يقدر أن يراه إلاّ الذين وُلدوا من الماء والروح".
بعد آ 10، تأخذ الجماعة المشعل من يد يسوع وتتابع عمله في 3: 11- 21: هي صيغة المتكلّم الجمع (نحن نتكلّم بما نعرف) التي تشرف على النص، فتضمّ كلمة يسوع إلى كلمة الجماعة. وحلّ محلّ "نيقوديمس" (الذي هو شخص فرد) مجمل الشعب اليهودي (تكلّم نيقوديمس باسمه) خاصة في آ 11- 13. وبعد آ 13، اختفى الحوار وظلّت حاضرة كلمة الوحي، فتعمّقت تعمّقاً عجيباً: انتقلنا من أمور الدنيا (الأرض) إلى أمور السماء (آ 12).
وهكذا ظهر لنا يسوع كالوحي (حامل الوحي) الوحيد (آ 13). فالمعرفة الوحيدة الحقيقية عن الله، هي تلك التي تأتي من الذي نزل من السماء، من ابن الإنسان. لقد أشار العهد القديم مراراً إلى حلم يصل بالإنسان إلى معرفة الله معرفة مباشرة. قال أم 30: 4: "من صعد إلى السماء ثم نزل منها"؟ وحك 9: 16- 17: "وإذا كنا نحن البشر غير قادرين أن نعرف ما على الأرض، بل حتى ما هو أمام عيوننا، فكيف نقدر أن نعرف ما في السماوات؟ من يعرف أفكارك (يا رب) إذا أنت لم تمنحه الحكمة ومن أعاليك ترسل إليه روحك القدوس".
يسوع هو هذا الموحي الذي لم يقدر أن يتعرّف إليه نيقوديمس، ومن خلاله الشعب اليهودي. قال يوحنا: "ما من أحد رأى الله. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو الذي أخبر عنه" (1: 18). أجل، يعجز الانسان عجزاً جذرياً عن معرفة الله بنفسه معرفة مباشرة، بل هو يتوق إلى هذه المعرفة. قال تث 4: 12: "كلّمكم الرب من وسط النار، فسمعتم صوتاً ولكن لم تروا صورة". فمن يقود الناس إلى معرفة الله؟ الابن الوحيد الذي يشارك الآب في حياته مشاركة لا حدود لها. فيسوع يخبرنا عن الله بحياته وأقواله وأعماله. وقد قال في خطبة الافخارستيا: "من جاء من عند الله هو الذي رأى الآب". بهذه الطريقة يعارض يسوع (وعبره جميع المسيحيين) يهود عصره، حتى القريبين منه مثل نيقوديمس. كما يعارض كل غنوصية (معرفة باطنية) تعتبر أنها تستطيع أن تقدّم معرفة لأسرار الله خارجاً عن يسوع.
من انتظر تقريراً دقيقاً عن حوار تمّ بين يسوع ونيقوديمس، يخطىء الهدف، ويصطدم بصعوبات لا حلّ لها. كما أنه لن يفهم ما يريد الإنجيلي أن يقوله. فشهادة المسيح في هذا الفصل (ولا سيّما بعد آ 14) هي في الوقت عينه شهادة الكنيسة. ومع ذلك، نلاحظ شيئاً يدهشنا. هناك عبارة ترتدي رنّة أرامية: "إن لم يكن الله معه". ثم إن الطريقة التي بها يتوجّه نيقوديمس إلى يسوع تذكّرنا بكلام الفريسيين والهيرودسيين الذين جاؤوا إلى يسوع. مثلاً في مر 12: 14: "يا معلّم، نحن نعرف أنك صادق ولا تبالي بأحد". والجواب الذي قدّمه يسوع حيال تحيّة نيقوديمس له، يتوافق مع ما نجده في عدد من المقاطع الإنجيلية: أو أن يسوع يرفض الجواب. أو هو يدخل في الموضوع منطلقاً من وجهته الخاصة التي تفترق عن وجهة محاوريه (مر 10: 17- 19 وز؛ 7: 27 وز). وهكذا يكون المقطع الذي ندرس قريباً من تقليد الكنيسة حول يسوع.
ورُسمت صورة نيقوديمس بوضوح وهي توافق الظروف التاريخية في زمن يسوع. فهذا الرجل يرتبط بالتيار الفريسي. في ذلك الوقت كان الفريسيون أقلّية في المجلس الأعلى، فما شكّلوا مجموعة منغلقة على ذاتها. وبما أن نيقوديمس كان معلّماً محترماً نقد دُعي ليجلس مع أعضاء المجلس الأعلى. وسنعرف فيما بعد (19: 39) أنه كان غنياً.
نيقوديمس هو "شعب النصر"، والعبرة التي يعطينا إياها هي تواضعه. رغم مركزه الإجتماعي الرفيع وسعة علمه، جاء إلى يسوع. كان باستطاعته أن يدعوه إلى بيته. لم يفعل بل جاء إليه. سأله في إطار "فقر روحي". وهكذا تميّز نيقوديمس عن سائر الفريسيين. سيفهمه يسوع أن عليه أن يعود إلى الطفولة الروحية.
هل سيعود؟ هل سيعود شعبه؟ قد يكون فعل مثل الشاب الغني فتابع يسوع حديثه لا إلى العالم اليهودي، بل إلى الكنيسة التي ستفهم أن ابن الله على الصليب سوف يحيي البشر الذين يؤمنون به.


من مؤلفات الاب بولس الفغالي


Sunday, March 23, 2008

دراسة شخصية توما المتشكك







إن توما الذي كثيراً ما ندعوه "توما المتشكك" يستحق الاحترام لإيمانه. كان توما شكاكاً، لكن شكوكه كانت بقصد أن يعرف الحقيقة. ولم يتمسك توما بشكوكه ويتشبث بها بل آمن بفرح عندما زالت شكوكه. لقد عبر توما عن شكوكه تماماً ونال إجابة كاملة عنها. فكان التشكك هو وسيلته الوحيدة للاستجابة، وليس طريقة أو أسلوباً للحياة.
برغم إيجاز نظراتنا إلى توما، إلا أننا نلاحظ ثبات شخصيته. فقد جاهد ليكون أميناً لما يعرفه برغم ماأحس به. ففي اللحظة التي اتضح فيها للكل مقدار الخطر المحيط بيسوع كان توما هو الوحيد الذى عبر بالكلمات عما أحس به معظمهم: "لنذهب نحن أيضاً فنقتل معه!" (يو 11: 16) فلم يتردد فى أن يتبع يسوع.
ولسنا نعلم سبب غياب توما فى أول مرة يظهر فيها الرب يسوع لتلاميذه بعد القيامة، لكنه رفض قبول أو تصديق شهادتهم عن قيامة المسيح، فلم يقدر ولا عشرة أصدقاء أن يغيروا فكره.
يمكننا أن نشك دون حاجة إلى أن نعيش أسلوب حياة متشكك. فالشك يشجع على إعادة التفكير. فالقصد منه هو إذكاء العقل لا تغييره. ويمكن استخدام الشك فى طرح أسئلة والحصول على إجابة والحث على اتخاذ قرار. ولم يكن يقصد بالشك أبداً أن يكون حالة دائمة. فالشك يقف على قدم واحدة والأخرى مستعدة لتوضع إما إلى الأمام أو إلى الخلف. ولن يتحرك الإنسان إلى أن تتثبت هذه القدم على الأرض.

فإذا اجتزت شكاً فخذ الشجاعة من توما. لأنه لم يبق فى شكه بل ترك ليسوع أن يقوده إلى التصديق والإيمان. تشجع أيضاً من حقيقة أن عدداً لا يحصى من المؤمنين بالمسيح قد جاهدوا مع الشكوك. ولعل الإجابة التي أعطاها لهم الله تكون عوناً عظيماً لك. فلا تستمر في شكوكك بل تجاوزها إلى القرار والتصديق. وابحث عن مؤمن آخر يمكنك أن تعرض شكوكك عليه. فإن الشكوك الصامتة نادراً ما تجد إجابة







قام المسيح.... حقا قام

Wednesday, February 20, 2008

ضع الماضي خلفك

"… أنسى ما هو وراء وأمتد لما هو قدام." -فيلبي 3: 13 "… لأن مراحمه هي جديدة في كل صباح…" -مراثي أرميا 3: 22


كم أحب الطريقة التي قسم الرب بها النهار والليل، فمهما بدا اليوم صعباً مليئاً بالتحديات، إلا أن فجر اليوم التالي يشرق بأمل ورجاء جديد. يريد الله من كل منا أن نضع الماضي خلف ظهورنا وأن نجد دائماً مكاناً لبداية جديدة.
ربما تكون واقع فريسة لخطية معينة وبالرغم من أنك تبت عنها إلا أنك لا زلت تشعر بالذنب. ثق أن التوبة الصادقة تعني بداية جديدة تماماً. هناك وعد في 1يوحنا 1: 9 بأننا إن اعترفنا بخطايانا فهو يطهرنا من كل إثم.
وبمجرد أن تدرك المعنى الحقيقي لرحمة الله العظيمة وقبولك لها ستكون قادراً على منحها للآخرين. ربما تعاني من جرح عاطفي، فإن أردت أن تضع الماضي خلف ظهرك، عليك أن تغفر للشخص الذي سبب لك هذا الجرح، فالغفران شيء أساسي في نسيان الماضي.
لدى الله أمور جديدة لمستقبلك ولحياتك ولكنك لا تستطيع أن ترى أي منها إن عشت في الماضي وأقمت فيه. وتذكر أن التفكير والحديث عن الماضي يجعلاك حبيس الماضي.
غداً يوم جديد، فلا تضيع اليوم بالتفكير والعيش في الأمس.




ردد الكلمات التالية:
"اليوم هو يوم جديد برحمة جديدة. أعزم أن أضع الماضي خلفي، فالأمس مضى وانتهى، وها أنا اليوم أبدأ بداية جديدة."




Sunday, February 17, 2008

هل أنت فائز أم فريسة؟




ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا (أعظم من منتصرين) بالذي أحبنا.



هل تتألم جسدياً أو عاطفياً أو ذهنياً؟ هل تعلم أنه بإمكانك زيادة الألم أو الحد منه وفقاً للأسلوب الذي تتبعه في التعامل معه؟
أنا أعلم من خلال خبرتي الشخصية ومن خلال معرفتي بكلمة الله أنه بمقدور الإنسان إما أن يصبح الفائز أو أن يكون الفريسة.

والسر هنا هو إدراك المرء أن النصرة هي بالمسيح، فإن تعلمنا كيف نتكل على الله وكيف نقبل منه كل ما نحتاج، عندئذ فقط سنقدر أن نفعل كل شيء في المسيح الذي يقوينا (فيلبي 4: 13).

الله هو كل ما نحتاج في أي المواقف التي نمر بها لأنه وعدنا بالقوة والقدرة والمعونة. فعندما تكون لنا شركة قوية وعميقة معه وعندما نصرف الوقت مع وفي الحديث إليه، نستمد القوة منه.

لقد تعلمت أن أتكل على الرب بكل قلبي لكي يعطيني القوة وتعلمت أيضاً أن لا أتحدث عن المشكلة أو أفكر فيها إلا عند الضرورة القصوى.
وجه نظرك نحو الرب اليوم بغض النظر عما تمر به ووجه حديثك إلى الرب وتحاشى الحديث عن المشكلة.
تذكر: لقد اجتزت بالكثير، وستجتاز هذه أيضاً


أفعل ما يلي:
اخضع للرب في كل شيء واصرف وقتاً معه وانتظر في محضره وستدرك أن الرب هو كل ما تحتاج إليه




Saturday, February 16, 2008

اختر معاركك

قراءة كتابية:
يشوع 13 : 1-7
1 وشاخَ يَشوعُ وكَبُرَ في السِّنِّ، فقالَ لَه الرّبُّ شِختَ وكَبُرتَ في السِّنِّ، وبَقيَت أراضٍ للامتِلاكِ كثيرةٌ. 2 وهذِهِ هيَ الأراضي الباقيةُ كُلُّ بِقاعِ الفِلسطيِّينَ وكُلُّ أرضِ الجَشوريِّينَ جنوباً 3 مِنْ شَيحورَ الجاري في مِصْرَ إلى أرضِ عَقرونَ شمالاً وهيَ لِلكنعانيِّينَ وفيها أقطابُ الفِلسطيِّينَ‌ الخمسةُ في غزَّةَ وأشدودَ وأشقَلونَ وجَتَّ وعَقرونَ وأرضُ العَوِيِّينَ‌ في الجنوبِ. 4 كُلُّ أرضِ الكنعانيِّينَ ومِنْ عارَةَ‌ الّتي للصَّيدونيِّينَ إلى أفيقَ إلى حُدودِ الأموريِّينَ، 5 وأرضُ الجِبليِّينَ وجميعُ لبنانَ شرقاً مِنْ بَعْلَ جادَ تَحتَ جبَلِ حرمونَ إلى ليـبو حَماةَ. 6 كُلُّ سُكَّانِ الجبَلِ مِنْ لبنانَ إلى مِسرَفوتَ مايِم، وكُلُّ الصَّيدونيِّينَ سأطرُدُهُم مِنْ أمامِ بَني إِسرائيلَ هذِهِ الأراضي كُلُّها تَقسِمُها بالقُرعةِ لِبَني إِسرائيلَ ميراثاً كما أمَرتُكَ. 7 تقسِمُها ميراثاً لِلتِّسعِ العشائرِ ولِنِصفِ عشيرَةِ منَسَّى.



نظرة عامّة

لو كان بمقدورك تغيير شيءٍ واحدٍ في العالم، فما هو الشيء الذي ستُغيّره؟ لا تقلق بشأن كيفية إتمام ذلك، أو بشأن كونه أمراً واقعيّاً أم لا، أم ما إذا كان أحدٌ سيتحمّس للفكرة أم لا - احلم فقط. تخيَّل أنَّ هذا ممكن. فما هو الشيء الذي ستُغيّره؟

تُعتبر هذه الفترة من تاريخ العبرانيّين فُرصةً ثمينةً أمامهم لتغيير العالم. فالكثير من الأشياء التي يريد الله القيام بها قد عهد بها إليهم، وهنالك قائمة طويلة بالأشياء التي تتطلّب التغيير. لكنّ هذا يتطلَّب ترتيب الأولويّات.

في هذا المقطع، ابحث أيضاً عن دروسٍ وعِبَرٍ عن مكافآت الإيمان بالله، ومتى ينبغي عليك أن تتخلّى عن العادات والتقاليد، والمخاطر التي قد تنشأ عن أقلّ مقاومة.




التطبيق الشخصيّ

لم يكن الجزء الأكبر من الأرض الموعودة قد وقع في أيدي العبرانيّين حتّى ذلك الوقت، لكنّ خطّة الله كانت تقضي بأن يتقدموا وأن يضموا هذه الأرض إلى ما يقسمونه بين الأسباط (يشوع 13: 7). وهكذا، فقد كانت رغبة الله هي أن يستولي العبرانيّون على الأرض في نهاية المطاف.

الله يعرف المستقبل، وحينما يقودنا فهو يعرف عن الانتصارات التي تنتظرنا. وكما كان ينبغي على العبرانيّين أن يخوضوا المعارك ويقاتلوا، كذلك ينبغي علينا نحن أيضاً أن نواجه المحن والتجارب وأن نخوض المعارك من أجل الأمور التي لم يتمّ الاستيلاء عليها بعد في حياتنا.

لكن ما هي الأمور التي لم يتم الاستيلاء عليها في حياتنا؟ قد تكون مناطق إرساليّة، أو لغات جديدة يجب أن يُترجم إليها الكتاب المُقَدَّس، أو مناطق محليّة لم تصلها البشارة، أو هيئات أو مؤسّسات بحاجة للتغيير، أو مشاكل عامّة أو قضايا أخلاقيّة لم تُحلّ بعد، أو خطيّة لم نعترف بها في حياتنا، أو مواهب وقدرات لم نعمل على تنميتها.

ما هي الأرض التي منحك الله إيّاها لتستولي عليها؟ هذه الأرض هي أرضك الموعودة. ثق بالله واستولِ على الأرض. وسوف يكون ميراثك هو سماء جديدة وأرض جديدة (رؤيا 21: 1).



ضغوط الحياة

"في العالم سيكون لكم ضيق (اضطهاد وضغوط وحيرة) ولكن ثقوا (تشجعوا وتأكدوا ولا تشكوا) أنا قد غلبت العالم (سلبته قوته حتى لا يؤذيكم وقد غلبته لأجلكم)". -يوحنا 16: 33

أصبحت الضغوط من أكثر الأمور الشائعة التي ينزح تحتها الناس في عالمنا اليوم. ولكن إليك الخبر السار، فبالرغم من أننا، نحن المؤمنين، نعيش في العالم، إلا أننا غير مضطرين للسلوك بحسب مفاهيم وأقوال وسلوك أهل العالم، بل ويجب أن لا نتمثل به. والحقيقة هي أن نظرتنا ورد فعلنا تجاه مواقف الحياة يجب أن يكون مختلفاً تماماً عن أهل العالم.
إن مصدر الضغوط التي نتعرض لها لا يكمن في الصعاب أو الظروف أو المواقف وإنما في اتجاه قلوبنا ونظرتنا لهذه الضغوط.
لقد أخبرنا يسوع بأننا سنواجه ضيق في العالم ولكن هذا الضيق يجب ألا يحزننا لأننا غير مضطرين لقبول الضغوط التي تُفرض علينا. لقد أعطانا الله امتياز أن نواجه تحديات الحياة اليومية بهدوء وسلام.
أنا أؤمن أن كل منا يستطيع أن يعيش حياة خالية من الضغوط في عالم يمتلئ بالضغوط، ولكن الأمر يتطلب اتخاذ بعض القرارات، التي قد تكون ثورية بعض الشيء.
اسمح لروح الله أن يقودك بعيداً عن الحياة الممتلئة بالضغوط نحو حياة السلام والفرح. قم بتغيير نظرتك واتجاه قلبك وسوف يغير الله الظروف في الوقت المناسب.




ردد الكلمات التالية:
"أختار أن أقبل نعمة الله اليوم القادرة أن تعينني أن أحيا حياة خالية من الضغوط في عالم يمتلئ بالضغوط."



Friday, February 15, 2008

الصّفقة الخاسرة


قراءة كتابية:
يشوع 9: 3 -6, 8, 9, 11-17
3 وسمِعَ سُكَّانُ جبعونَ‌ بما فعَلهُ يَشوعُ بِأريحا وعايّ، 4 فا‏ستَخدَموا الحيلَةَ هُم أيضاً في مُحاربَتِهِ ومضَوا فتَزوَّدوا وحَمَّلوا حميرَهُم أكياساً عتيقَةً ودِنانَ خمرٍ عتيقةً مُشَقَّقةً مُرَقَّعةً 5 وجعَلوا نِعالاً عتيقةً مُرَقَّعةً في أرجُلِهِم وثياباً باليةً علَيهِم، وكانَ جميعُ خُبزِ زادِهِم يابِساً عَفِناً، 6 وذهَبوا إلى يَشوعَ، إلى محلَّةِ الجِلجالِ، وقالوا لَه ولِرِجالِ إِسرائيلَ نحنُ قادِمونَ مِنْ أرضٍ بعيدةٍ، فا‏قْطَعوا لنا عَهداً.
8 فقالوا ليَشوعَ نحنُ هُنا في خِدمَتِكَ‌. فسألَهُم مَنْ أنتُم ومِنْ أينَ جِئتُم
9 فأجابوهُ نحنُ عبـيدُكَ جِئنا مِنْ أرضٍ بعيدةٍ جِدًّا، لأنَّنا سَمِعنا با‏سمِ الرّبِّ إلهِكَ وبجميعِ ما صنعَ في مِصْرَ،
11 فقالَ لنا شُيوخُنا وسائرُ سُكَّانِ أرضِنا خُذوا في أيديكُم زاداً للطَّريقِ وا‏ذهَبوا إليهِم وقولوا لهُم نحنُ عبـيدُكُم فا‏قطَعوا لنا عَهداً. 12 هذا خُبزُنا تَزوَّدناه ساخِناً مِنْ بُيوتِنا في يومِ خُروجِنا إليكُم، وها هوَ الآنَ يابِسٌ عَفِنٌ. 13 وهذِهِ زِقاقُ الخمرِ مَلأناها جديدةً، وها هيَ مُشَقَّقةٌ. وهذِهِ ثيابُنا ونِعالُنا عَتِقَت مِنْ طُولِ الطَّريقِ. 14 فشارَكهُم رِجالُ إِسرائيلَ زادَهُم، ولم يَطلبوا مَشورةَ الرّبِّ. 15 وسالَمَهُم يَشوعُ وقطَعَ لهُم عَهداً على ا‏ستِبقائهِم أحياءً، وحلَفَ لهُم بِذلكَ الرُّؤساءُ. 16 وبَعدَ أنْ عاهَدوهُم بِثَلاثةِ أيّامٍ سَمِعوا أنَّ هؤُلاءِ الغُرباءَ جيرانٌ لهُم، وأنَّهُم ساكِنونَ في مَناطِقِهِم. 17 فسارَ بَنو إِسرائيلَ وبَلَغوا مُدنَهُم في اليومِ الثَّالِثِ وهيَ جَبعونُ والكفيرَةُ وبَئيروتُ وقريةُ يَعاريمَ‌،


نظرة عامّة
أصبح مندوبو المبيعات منتشرين في جميع المتاجر الكبرى وغيرها من الأماكن. كما أنّهم قد يطرقون باب بيتك أو يتّصلون بك هاتفيّاً في بعض الأحيان كي يقنعوك بشراء شيءٍ ما. والشيء المُلاحظ هو أنّهم يستمرّون في المجيء وطرح عروضهم علينا لأنّهم يعرفون بأنّنا ضعفاء تجاه مثل هذه العروض.

أثناء رحلة الشعب العبرانيّ للاستيلاء على أرض كنعان، وقعوا فريسة شيءٍ مُشابهٍ. فقد جاء من يطرق بابهم ويعرض عليهم السّلع بالطريقة القديمة. راقب حماقتهم وتعلّم منها.

سوف تجد هُنا بعض الدروس والعِبَر الأخرى حول حفظ الوعود والتغلُّب على الأفكار الغريبة.


التطبيق الشخصيّ



تعرّض العبرانيّون للخداع (يشوع 9: 3-17). فحينما عاينوا حال هؤلاء الرجال وجدوا أنّهم يحملون خبزاً يابساً عَفِناً، وزقاق خمرٍ مُشقّقةٍ، وينتعلون نعالاً مهترئةً، ويرتدون ثياباً باليةً. لكنّهم لم يتمكّنوا من كشف هذه الحيلة. وبعد قطع الوعد وإقرار المعاهدة، انكشفت الحقائق - لقد انخدع قادة العبرانيّين. لقد أوصى الله العبرانيّين بأن لا يعقدوا أيّة معاهدات مع سُكّان أرض كنعان (خروج 23: 32؛ 34: 12؛ عَدَد 33: 55؛ تثنية 7: 2؛ 20: 17-18). كان يشوع يعرف، بصفته رجلاً عسكريّاً، كيف يُصلّي إلى الله قبل قيادة جيشه إلى إحدى المعارك. أمّا معاهدة السِّلم هذه فبدت ساذجة للغاية ممّا دفع يشوع والقادة إلى اتّخاذ قرارٍ بشأنها من تلقاء أنفسهم. وبسبب عدم طلبهم لمشورة الرَّبّ وحكمته، واندفاعهم لتنفيذ خططهم الذاتيّة، كان ينبغي عليهم أن يواجهوا شعباً غاضباً وتحالفاً صعباً.

خذ وقتك وتحلّى بالشّجاعة في طلب مشورة الله قبل اتّخاذ القرارات الهامّة - لا سيّما حينما يكون لهذه القرارات تأثير على الآخرين. اقرأ الكتاب المُقَدَّس يوميّاً كي تعرف ما يريده الله منك.



Thursday, February 14, 2008

حياة الملكوت


"لكن اطلبوا (اسعوا نحو وجاهدوا من أجل) أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم." -متى 6: 33


لنا امتياز كأولاد الله أن نحيا في ملكوت الله. فما هو ملكوت الله؟ '
نقرأ في رومية 14: 17 أن ملكوت الله هو بر وسلام وفرح في الروح القدس. فإن كان لنا كل شيء في العالم ولكن أعوزنا البر والسلام والفرح فنحن لا نملك شيئاً.
يملك الناس الذين لا يعرفون المسيح أشياء كثيرة ولكن ليس كلهم راضين. إن الرضا في الإنسان الباطن هو ما يريد الله أن يعطيه للإنسان.
يريدنا الله أن نعلم أننا تصالحنا مع الله بسبب ما فعله لأجلنا، فهو يريد أن يمنحنا سلام وسط الضيق وهو الوحيد القادر أن يمنحنا إياه. فالأشياء لا يمكن أن تخلق فرحاً يدوم إلى الأبد.
ولكن عندما يستقيم ما بداخل الإنسان، لن تكون للأشياء الخارجية قيمة بالنسبة لنا وعندما تفقد قيمتها أمام أعيننا، يمنحنا الرب المزيد منها. فعندما نصوب أبصارنا نحو ملكوت الله وبره وسلامه وفرحه، ستزداد لنا كل هذه الأشياء.
تعلم أن تحيا في ملكوت الله.



ردد الكلمات التالية:
"لأني أطلب ملكوت الله وبره أولاً، سيعطيني الرب كل ما أحتاج إليه لكي أعيش في سلام وفرح."




Wednesday, February 13, 2008

الثقة


وهذه هي الثقة (اليقين، الجسارة) التي لنا عنده أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا.



يجب أن تظهر الثقة في كل جوانب حياتنا، وتعتبر الصلاة أحد هذه الجوانب التي تُظهر ثقتنا في الله. فإن صلينا لأجل أمر ما بدلاً من القلق بشأنه ومحاولة تحليله بالمنطق، فهذا دليل وبرهان على ثقتنا في الله في هذا الموقف.

ربما يوجد بين القراء الأعزاء من يصلون ثم يتساءلون إن كان الله قد سمع صلاتهم أم لا! وهناك من يتساءلون إن كان الله يسمع لهم فقط عندما يحسنون اختيار الألفاظ أو يصلون صلوات طويلة أو يستشهدون بآيات كافية من كلمة الله. ولكن الحقيقة هي أن الصلوات التي يملأها الشك وعدم اليقين لا تُسر لقلب الله، لذلك عندما نصلي يجب أن نصلي بإيمان ويقين.

لقد علمني الرب أن الصلوات التي أرفعها ببساطة إيمان تفي بالغرض وأني لست في حاجة لترديد الصلوات مرة ومرات لأنه يسمع لي من المرة الأولى. أيضاً تعلمت أني لست بحاجة لانتقاء الكلمات الرنانة، فقط علي أن أعبر عما في داخلي وأثق أنه يسمع لي ويتفهم مشاعري.

كل ما علينا هو أن نرفع له طلباتنا مؤمنين أنه يسمع وأنه يستجيب في الوقت المناسب.

صلِ بثقة وآمن بأن الرب يسمع الصلوات البسيطة التي تشبه صلوات الأطفال عندما تكون نابعة من قلب مخلص.




صل هذه الكلمات:
"أيها الآب السماوي، أشكرك لأنك تسمع صلاتي وأؤمن أنك قد استجبت بالفعل. في اسم يسوع، آمين."




Tuesday, February 12, 2008

في حجرة الانتظار



في يدك آجالي...


لو استطاع كل منا أن يفهم ويدرك توقيتات الله، لتعاونا معه بصورة أفضل لتحقيق خطته لحياتنا، إلا أننا قد لا ندركه بالكامل، لذلك علينا أن نكتفي بمعرفتنا للشخص الذي يعرف كل شيء. فإن أردنا أن نسير مع الله ونتمتع ببركاته، علينا أن نتعلم كيف نعطي الله مكانته كإله في حياتنا. يميل معظمنا إلى أخذ الدور القيادي في العلاقة مع الله ولكن الحقيقة هي أن الله قد اتخذ موقفاً ولن يغيره، فالتغيير يجب أن يحدث معنا نحن.
أن الله هو صاحب الدور القيادي في العلاقة وهو من يعطي الأوامر والتعليمات التي يجب علينا أن نتبعها حتى وإن لم تعجبنا الطرق التي يسيرنا فيها. يعتبر التوقيت أمر على قدر كبير من الأهمية في مسيرنا مع الله.

تُرى لماذا يتأنى الرب طويلاً قبل أن يعطينا ما طلبناه؟ وهنا أقول أن الثقة في الله تعني أسئلة بدون إجابات الأمر الذي يجعلنا ننمو في الإيمان. لدى الله خطة، كما أن لديه توقيت لهذه الخطة، وبينما نجلس نحن في حجرة الانتظار، يعدنا هو لما أعده لنا، فلابد لنا أن ننمو وننضج أولاً وهو أمر يستغرق وقتاً.
وفي كل مرة نصل فيها إلى مستوى نضج معين، يباركنا الله بمستوى جديد من البركات. ربما تكون قد اعتدت أن تهتم بشئونك، تنازل اليوم عن الاهتمام بذاتك، فالله يريد أن يهتم بك وهو إله أمين يمكنك الاعتماد عليه.



صل هذه الكلمات:
"أنا أثق بك يا رب وأعلم أنك تحبني وأن خطتك وتوقيتك لحياتي كاملين. في اسم يسوع، آمين."



Sunday, February 10, 2008

كن على طبيعتك




لأننا لا نجترئ أن نعد أنفسنا بين قوم من الذين يمدحون أنفسهم ولا أن نقابل أنفسنا بهم بل هم إذ يقيسون أنفسهم على أنفسهم ويقابلون أنفسهم بأنفسهم لا يفهمون (غير حكماء).



يعاني كل شخص لا يقبل ذاته صعوبة كبيرة في قبول الآخرين والتعايش معهم. فإن لم نحب ذواتنا، لن نستمتع بالحياة التي نعيشها، ولكن بمجرد أن يعلن الله لنا بصورة شخصية عن حبه الغير مشروط، سنقبل ذواتنا ومع الوقت ستثمر علاقاتنا مع الآخرين أيضاً.

قف من نفسك لحظة واسأل: "بماذا أشعر تجاه نفسي؟"
أريد أن أشارك معك عشرة نصائح يمكن أن تساعدك لكي تنجح في أن تكون نفسك وأؤمن أنها سوف تساعدك على زيادة ثقتك بنفسك وتكوين صورة أفضل عن ذاتك كابن لله:
1- لا تفكر أو تتحدث أبداً عن نفسك بطريقة سلبية.

2- فكر وتحدث عن الأمور الإيجابية فيك.

3- لا تعقد مقارنات بينك وبين أي شخص آخر.

4- ركز على إمكاناتك لا على محدوديتك.

5- ابحث عن شيء تحب وتجيد عمله ثم كرره مرة ومرات.

6- تجاسر أن تكون مختلفاً، واسع نحو إرضاء الله لا الناس.

7- تعلم كيف تتأقلم مع نقض الآخرين لك.

8- اعلم أنك الشخص الوحيد القادر أن يحدد قيمة ذاته ولا تجعل الآخرين يقومون بذلك بدلاً منك.

9- ضع عيوبك في نصابها الصحيح.

10- اكتشف المصدر الحقيقي للثقة.



افعل ما يلي:

من الآن فصاعداً انظر لنفسك على أنك ابن لله، فكر وتحدث عن الأشياء الإيجابية فيك واعلم أنك محبوب ومقبول بالرغم من كل عيوبك وضعفك