Friday, July 27, 2012

افرحــوا في 4: 4



نقول: "الفرح المسيحي"، لأن الفرح في المسيح يختلف عن الفرح الذي يعرفه العالم. ففرح العالم علامته السرور الظاهر، ويرتبط بلذة الجسد السطحية والمسرَّات، في الطعام والمال والممتلكات وشهوة الجنس والسلطة وتحقيق الأهداف المتصلة بالعالم الحاضر. وهذا الفرح قصير العمر، وإن تعالَى فهو يفتر بعد حين، وتطوِّح به الهموم والتجارب والهزائم وخوف الغد والأمراض والوحدة وتغيُّر الأحوال واقتراب الموت. والمسيحي في العالم يختبر شيئاً من هذا الفرح في مناسبات كثيرة في الأعياد والحفلات واجتماعات الصحاب. وهو يقبله و يسعد به، ولكنه لا يعوِّل عليه، لأنه يعرف أن هذا يأتي ويذهب. وإنما فرحه الحقيقي، الذي وهبه له الروح بموت الابن وقيامته وملكوته الأبدي، ثابت دائم، تعبُر به صروف الحياة وآلامها (التي تعبُر على كل الناس)، ولكنها لا تنال منه إلاَّ كما تنال الرياح من الجبال، ووجوده لا علاقة له بحضور الابتسام والضحك أو غيابهما، فمكانه أعمق، وهو يبقى حتى ونحن في الظلام، وهنا لا ينقطع تسبيحنا وتبقى أصوات الحمد مُرنِّمة. ودوام الفرح المسيحي يرتبط بعمل فوق الطبيعة البشرية، لأنه ليس نتاج عواطف، وإنما هو عمل الروح القدس وثمره. إنه فرح في الرب (مز 32: 11؛ 35: 9؛ 100: 2، إش 61: 10، رو 14: 17، في 3: 1؛ 4: 4، 1تس 1: 6، فل 20).
حياة الرسل كنماذج للفرح في الروح:
والمرء يَدهش عندما يتابع حياة خادم مناضل كالرسول بولس يتعرَّض في خدمته لكل صنوف الآلام والاضطهاد، فضلاً عن شوكة مرض جسده؛ ولكن الفرح لا يُفارقه سواء في سلوكه أو في كتاباته. فهو مع سيلا في السجن لا يطويهما ظلامه وكآبته وأغلاله، وإنما هما قائمان نحو نصف الليل "يصليان ويُسبِّحان الله والمسجونون يسمعونهما" (أع 16: 25). فلم تكن صلاتهما أنيناً خافتاً، وإنما تسبيحاً عالياً مستنداً إلى إله يؤمنان بقوته وانتصاره المحتوم حتى أن السجن تزعزع من أساسه.

وهذه مقتطفات من رسائله يُعبِّر فيها عن فرحه كما يحث فيها المؤمنين أن يفرحوا في الرب كل حين، مع أن بعضها يكتبه من السجن أسيراً في سلاسل، أو وهو يُصارع الآلام والاضطهادات: "كحزانى ونحن دائماً فرحون" (2كو 6: 10)، "لذلك أُسَرُّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح" (2كو 12: 10)، "افرحوا في الرب... افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا" (في 3: 1؛ 4: 4، 1تس 5: 16)، "الآن أفرح في آلامي لأجلكم، وأُكمِّل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده، الذي هو الكنيسة" (كو 1: 24).

وها هما القديسان بطرس ويعقوب يحثَّان المؤمنين على الفرح الحقيقي في الروح حتى ولو كانوا يجتازون التجارب: "ذلك وإن كنتم لا ترونه (أي الرب) الآن لكن تؤمنون به، فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد" (1بط 1: 8)، "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع 1: 2).

منابع الفرح المسيحي:

1 - التمتُّع بالخلاص والنصرة:

إذا كانت الخطية هي مصدر التعاسة والشعور بالإثم وسيادة الظلام، فإنَّ التمتُّع بخلاص المسيح وحضوره ورفقته وعنايته ورعايته كل الأيام، وعمل الروح القدس، هو الينبوع الرئيسي لفرح المسيحي ودوامه. والرب أذاع هذا السر لتلاميذه قبل الصليب والقيامة قائلاً: "المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلد إنسان في العالم. فأنتم كذلك، عندكم الآن حزن. ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحدٌ فرحكم منكم" (يو 16: 21و22). وها هم تلاميذ الرب يفرحون "إذ رأوا الرب" بعد قيامته (يو 20: 20)، ثم يودِّعونه صاعداً إلى السماء، ولكنهم يرجعون من لقائهم الأخير معه بالجسد "بفرح عظيم" (لو 24: 52)، فسيدهم المنتصر على الموت بقيامته والعائد إلى مجده؛ نفخ فيهم من روحه، كما وعدهم أن يكون معهم كل الأيام إلى انقضاء الدهر (مت 28: 20).

والخاضعون لسطوة العالم والطامعون في أمجاده يظلون معذبين بإذلاله لهم وتدلُّله عليهم؛ يمنحهم فيسرهم، ويمنع عنهم فيتولاَّهم الهم. أما الذين خرجوا عن طاعته ولا آمال لهم عنده ولا حاجة، والذين شعارهم كلمات غريغوريوس الكبير: "جلست على قمة العالم لَمَّا صرتُ لا أشتهي شيئاً ولا أخاف شيئاً"، فهؤلاء لا ينقطع فرحهم. فنصرتهم على العالم قد أُعلنت منذ إعلان تبعيتهم للسيِّد ولا انقطاع لتيار الفرح عندهم كل الحياة.

دوام التوبة يؤدِّي أولاً بأول إلى التخلُّص من الخطية المسببة للهمِّ وثقل الضمير. كما أن التوبة لغير السائرين في طريق النور هي الباب المفتوح للِّحاق بمواكب المنتصرين واختبار حياة الفرح الحقيقي والتمتُّع بالحرية في المسيح: "فإن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو 8: 36).

2 - السلوك بالإيمان:

بمعنى الاتكال على الله والثقة في مواعيده وتسليم كل الحياة له وقبول كل ما يسمح به الله بالشكر، وهو أيضاً أحد منابع الفرح المسيحي. فالذي يتيقن "أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رو 8: 28)، يحيا فَرِحاً، مطمئناً إلى محبة المسيح وتحنُّنه. أما مَن غاب عنهم الإيمان وإلقاء أثقالهم على كاهل المسيح، فكيف يختبرون الفرح بينما الهموم تقتحم قلوبهم؟ كما أن قلقهم، بل رُعبهم، من جهة الغد، لن يتيح للفرح أن يسود حياتهم يوماً.

ويتصل بهذا أن السلام الذي يتمتع به أولاد الله ولا يعرفه الأشرار (إش 48: 22؛ 57: 21)، ولا يستطيع العالم أن يعطيه، قد وهبه الله لمؤمنيه: "سلاماً أترك لكم، سلامي أُعطيكم. ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا" (يو 14: 27)، "جاء يسوع في الوسط وقال لهم: سلامٌ لكم" (لو 24: 36، يو 20: 21و26)؛ وهو ناجمٌ عن حالة المصالحة بين المؤمن والله ومع نفسه ومع الآخرين كإحدى ثمار الخلاص وثمار الروح، وهذا أيضاً يُهيئ النفس للفرح في الروح.

ولكن هذا لا يعني أن الآلام لا تعرف طريقها إلى حياة المؤمن أو أنها لا تهدد سلامه وفرحه، فإبليس يترصد أولاد الله ويضيق بهم، إلاَّ أن الآلام مع هذا لا تستطيع أن تقتحم مركز السلام في القلب. والحزن إن جاء فهو يبقى عاطفة خارجية لا تهز استقرار القلب في يد القدير. على أن الكتاب يشير إلى حزن "حسب مشيئة الله" على الخطية الملوِّثة لنقاوة المؤمنين والمهينة للكرامة الإنسانية، وهذا الحزن النبيل "يُنشئ توبة لخلاص بلا ندامة" (2كو 7: 10).

3 - من منابع الفرح: التقوى مع القناعة:

وهي تجارة عظيمة كما يصفها معلِّمنا القديس بولس (1تي 6: 6)، بينما التطلُّع إلى الغِنَى والرفاهية والطمع لا يجلب سوى الآلام. خلال الحياة يحدث نمو طبيعي في الوظائف والدخول والممتلكات، ويتم التدرُّج في المراكز، وعلى قدر العزائم والاجتهاد ينال المرء نصيبه في خيرات هذه الدنيا. والكسول الذي يريد أن يأخذ دون أن يتعب سيبقى في الظل. ولكن هذا كله غير الانحصار والسعي إلى جمع المال بكل طريق، وعقد المقارنات مع مَن صعدوا في المراتب أو صاروا أغنياء. هنا تأتي التعاسة والهموم ويتوارى الفرح ويُفقد السلام وتتعثَّر العلاقة مع الله. وليس من مُنقذ غير أن يثوب الإنسان إلى رشده ويصحح مساره بالتوبة ويترك العالم لأهله، راضياً بعطايا الله ومعها التقوى وسلوك الإيمان، فـ "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه" (مت 16: 26، مر 8: 36، لو 9: 25).

4 - الخروج من الذات:

إلى الآخر، عطاءً وخدمةً، أحد منابع الفرح. والرب نفسه قال إنه: "مغبوطٌ هو العطاء أكثر من الأَخْذ" (أع 20: 35). فالأنانية حزن وهمّ وخوف وقلق وفقر إنساني وحرمان من الاتحاد مع الله. بينما الخروج إلى رحابة حب الله والقريب وخدمة الفقير واليتيم والغريب والضيف والسجين والمسنّ والمريض والمُعاق، وضحايا الحروب والمجاعات واضطرابات الطبيعة، هو الطريق إلى إسعاد هؤلاء وتخفيف ويلاتهم، فيأتي الفرح في الحال كمكافأة لا تُقدَّر بثمن. ويا كلَّ منطوٍّ على ذاته، يحبها ولا يهتم بغيرها، تقدَّم إلى الآخرين ومِدّ يدك إليهم واغترف من غِنَى فرح وسلام لم تعرفه في حياتك الفقيرة الأولى. ويا كلَّ حريصٍ على ماله، مغرور به، خائف من فَقْده، ضنين به على المحتاجين؛ جرِّب غبطة العطاء وإسعاد الآخرين بما لا تملكه في الحقيقة وإنما هو عطية الله كي تستثمرها في خدمة المسيح وإخوته الأصاغر كما دعاهم (مت 25: 40و45). وبدل أن يصبح مالك باباً للشرور، خانقاً للكلمة، ملتصقاً بالموت؛ اجعله باباً للدخول إلى فرح السيِّد الأبدي.

5 - التطلُّع إلى الأبدية:

هو الينبوع الأبدي للفرح. فالأبدية هي النهاية السعيدة التي تتصاغر أمامها كل آلام الزمان الحاضر التي يصفها القديس بولس أنها "لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلَن فينا" (رو 8: 18).

بالتطلُّع دوماً إلى الساعة الأخيرة، حيث الاحتفال بنوال إكليل البر تمجيداً لحياة شاركت المسيح آلامه وحفظت كلمته وذاقت حلاوة عشرته، تعبُر على النفس رياح الهموم والتجارب والأحزان دون أن تخصم شيئاً من رصيد الفرح المستقر في الأعماق ولا تلمس غير سطح الأمواج التي قد تعلو وتهبط، ولكن الفرح والسلام هناك لا يطالهما شيء. المقابلة بين خفة ضيقتنا الوقتية وثِقل المجد الأبدي (2كو 4: 17)، تجرِّد التجارب من أشواكها الحادة، وتجعل من دموعنا مجرد متنفس طبيعي لضغوط التجارب، ولكنها مع هذا لن تكون منسية قدَّام الله. انتظارنا لمجيء الرب في خلاصه الأخير يحوِّل آلامنا وأسقامنا وأحزاننا من أدوات لتكديرنا وسحقنا (كما هي للبعيدين عن الله) لتكون رصيداً لحسابنا نتمجَّد به في اليوم الأخير "إن كنا نتألَّم معه لكي نتمجَّد أيضاً معه" (رو 8: 17)؛ وهكذا لا تعطِّل استمرار فرحنا وسلامنا ونحن هنا على الأرض. يقين الحياة الأبدية هو ما ساند كل شهيد في ساعته الأخيرة، ووهبه أن ينتصر على رُعب الموت المتشح بالدم.

(((((

الذين هم خارج دائرة المسيح يظنون أن الحياة المسيحية في أعماقها تتسم بالكآبة والتجهُّم وفي ظنهم أن هذا ما يؤول إليه المسيحي، وهو ينشد تنفيذ الوصية، عندما يكتشف قصوره والبون الشاسع الذي يفصله عن بلوغ أبديته.

والمسيحي بالفعل لا يستطيع وحده أن ينفِّذ أصغر الوصايا أو أن يغلب أهواءه ومحبته للعالم، فهذا هو عمل "نعمة الله المخلِّصة لجميع الناس" (تي 2: 11). وبقبوله لهذه النعمة والانصياع لها تحدث المعجزة ويصير المؤمن خليقة جديدة تغلب الضعف والنقص والهوان وحتى الآلام والأحزان والتجارب. والمؤمنون الذين يلوذون بالكآبة والتجهُّم خوفاً من السقوط هم مؤمنون مدَّعون، وما يجتازونه سقوط نفسي وحالة مَرَضيَّة وانحصار في الذات وضعف إيمان وتغرُّب عن النعمة. النفس المؤمنة غير المثقلة بالهمِّ يسهل عليها أن تبتسم وتمرح دون أن تخطئ، نعم، لم يذكر الكتاب عن الرب أنه ضحك، ولكننا لا نشكّ أنه كان مبتهجاً وهو يُشارِك في عرس قانا الجليل ويصنع فيه أولى معجزاته ويزيل الحرج عن أهل العُرس الذين نفد خمرهم. ولابد أنه ابتسم عندما نظر إلى الشاب الغني "وأحبه" (مر 10: 21)، ولابد أن وجهه كان يطفح سروراً عندما "تهلَّل يسوع بالروح" (لو 10: 21). وأغلب الظن أنه أَبْدَى فرحه وهو يذكر في أمثاله فرح السماء بتوبة الخاطئ (لو 15: 7و10)، وفرح الراعي الصالح بعثوره على خروفه الضال (لو 15: 5و6)، وفرح المرأة التي وجدت درهمها المفقود (لو 15: 9)، وفرح الآب وسروره بعودة ابنه الشارد (لو 15: 32)، وهو الذي أوصانا - على لسان بولس الرسول - بالفرح مع الفرحين (رو 12: 15). والكتاب حافل بكلمات من قبيل "العريس والعروس" (مر 2: 19و20)، و"العشاء العظيم" (لو 14: 16)، و"العُرْس" (مت 22: 2-12)، و"عشاء عُرس الخروف" (رؤ 19: 9)، و"تسابيح وأغاني روحية" (أف 5: 19، كو 3: 16)، وكلها تتشح بالبهجة التي تسود الحياة في المسيح.

الفرح المسيحي - مع هذا - لا يعرف الهزل أو النكات القبيحة، ولا يجرؤ على كسر الوصية، ولا يتشح بوسائل الفرح المصطنع كالخمر والصخب(1)، ولا بتغييب الوعي بالمخدرات. الإنسان الطبيعي لا يعرف غير الفرح السطحي المفتعل، بينما الهموم لا تفارقه أينما سار مهما اجتهد أن يهرب منها.

حياة الفرح المسيحي هي من أعمال النعمة، وهي متاحة لكل مَن يؤمن "فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله" (رو 8: 8). فالمسيحي ليس إنساناً أسطورياً، ولكنه إنسان أدركته نعمة الخلاص، فتغيَّر حاله من البؤس إلى الفرح المجيد. وباسم كل البعيدين الحائرين كانت صرخة القديس بولس: "أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحُسنى أن الشرَّ حاضرٌ عندي... وَيْحِي أنا الإنسان الشقي، مَن ينقذني من جسد هذا الموت" (رو 7: 12و24)، ثم كان إعلانه عن سر الفرح: "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت... وإن كان المسيح فيكم، فالجسد ميت بسبب الخطية، وأما الروح فحياة بسبب البر" (رو 8: 2و10).

Sunday, July 22, 2012

من هو الشيطان ؟

من هو الشيطان ؟

هل الشيطان موجود فعلاً أم أنه مجرد خرافة، وهل يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن الشيطان؟بالرجوع إلى الكتاب المقدس والمراجع التفسيرية له نلاحظ أن الشيطان ليس مجرد خرافة بل هو موجود فعلاً، وأنه كائن حقيقي أعلى شأناً من الإنسان، ورئيس رتبة من الأرواح النجسة (متى24:12). وهناك عدة مراجع في الكتاب المقدس تشير إلى الشيطان وأعماله وصفاته وغيرها.

إن كلمة "شيطان" بحد ذاتها هي ترجمة للكلمة العبرية "شطن" ومعناها مقاوم. ويسمى الشيطان باللغة اليونانية "ديابولس" ومعناها "مشتك" ويسمى أيضاً "أبدون" و"أبوليون" أي "مهلك" كما يسمى بـ"ملاك الهاوية" كما ورد ذكره في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي11:9. وكذلك عُرف باسم "بعلزبول" كما ورد في بشارة متى 24:12 وأيضاً "رئيس الشياطين" (متى34:9) و "رئيس سلطان الهواء الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية" (أفسس 2:2) كما أطلق عليه اسم "إله هذا الدهر" (2كورنثوس 4:4) وأيضاً اسم "الكذاب وأبو الكذاب" (يوحنا44:8) و"المشتكي على الاخوة (سفر الرؤيا10:12) وأشار الكتاب المقدس إليه أيضاً بأنه "خصمنا الأسد الزائر" (1بطرس8:5) وكذلك التنين، أي الحية القديمة" (سفر الرؤيا9:12). وكذلك سمي "كبير الأرواح الساقطة (رؤيا 9:12 ومتى-8:4 -11 و 38:13و39 ومتى 41:25ويهوذا 6).


صفات الشيطان:

يشير الكتاب المقدس كما ذكر سابقاً إلى أنه كائن حقيقي، أعلى شأناً من الإنسان، وأنه رئيس الأرواح النجسة بحسب ما ورد في بشارة متى24:12. أما طبيعته فهي روحية، وهو في الأصل ملاك سقط أمام الله بسبب الكبرياء ويمتاز بالعمل والإدراك والذاكرة والتمييز، كما لديه امتيازات حسية كالعواطف والشهوات. أما امتيازاته الإرادية فهي أنه قادر على الاختبار كما ورد عنه في رسالة أفسس12:6.
والمعروف أن الشيطان خبيث ويعمل ضد إرادة الله كما يحرّض العصاة أيضاً أن يخالفوا الله ويعملوا ضد إرادته، ولهذا يُشار إليه بأنه قائد العصاة على الله، وهو يعمل ضد البر والقداسة، ومملوء بالكبرياء والمكر والقساوة. ولا شك أن حالته تنطبق على صفاته، فبما أنه عدو الله فهو مطرود من وجه الله، وهو محبوس مع زمرته في موضع العذاب، حيث يلعب على العواطف النجسة التي فيه، والأعمال الخبيثة الناتجة عنها (2بطرس 4:2 ويهوذا 6).
إي أن غضب الله على الشيطان وطرد الشيطان من وجه الله لا يمنعه من أن يعمل بين الناس. فهو عدو لدود للإنسان، كما ورد في رسالة بطرس الأولى، ورسالة كورنثوس الثانية التي تقول: "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو" (1بطرس8:5) و"لئلا يطمع فينا الشيطان، لأننا لا نجهل أفكاره" (2كورنثوس11:2). ففكر الشيطان يعمل دائماً ضد مقاصد الله وأعماله.

عمل الشيطان بين الناس:


هو الغدر والمخاصمة والظلم والقساوة. وهو بشخصه أو بواسطة ملائكته الساقطين يعرّض الناس للتجربة والوقوع في الخطية، ويحاول أن يبعدهم عن الطهر والقداسة وعدم الثبات نحو بعضهم ونحو الله، ويعرّضهم للشقاء في الزمن الحاضر والمستقبل، كما ورد في الكتاب المقدس في سفر أيوب، الأصحاحين الأول والثاني. لقد جرّب الشيطان أيوب ليوقعه في الخطية، وحاول أن يجرب المسيح ليوقعه في الخطية، طالباً منه أن يحوّل الحجارة إلى خبز، وأن يرمي نفسه عن جناح الهيكل ليرى إذا كانت ملائكة الله ستحمله، وأخيراً أن يسجد للشيطان مقابل أن يعطيه الشيطان جميع ممالك الأرض. ولكن المسيح انتهره بكلام الله الموحى به: "للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (لوقا8:4) وقد ورد عنه في إنجيل يوحنا أنه "الكذاب وأبو الكذاب" (يوحنا44:8).
فمنذ بداية الخليقة خدع الشيطان آدم وحواء وقادهما إلى العصيان على أوامر الله، فظهر لهما بشكل حية وحرضهما على عدم الاتضاع لأوامر الله، وكانت نتيجة ذلك أن سقط أبوانا الأولان في الخطية فطردهما الله ن الجنة (تكوين 3).
ويحاول الشيطان دائماً تشويش البشر فعندما تُبذر كلمة الله يحاول أن يسرقها (لوقا12:8)  ويحاول أن يزرع معها زِواناً ومعنى هذا أنه يبذر الشر وسط الخير، وينشر الأعمال الفاسدة في وسط حقل الله الصالح (متى38:13). ويحاول أن يتسلط على الناس بخبثه وخداعه، ولكن المسيح يخلّصهم منه لأن الله معهم (أعمال38:10).
أعوان الشيطان:

يشير الكتاب المقدس أن للشيطان أتباع من الأرواح الشريرة الساقطة الذين اشتركوا معه في عصيانهم لله، وما زالوا يعملون معه ضد إرادة الله، محاولين إيقاع الضرر بأولاد الله الأبرياء، كما هو مذكور في رسالة أفسس 11:6 و2تيموثاوس26:2.
والمعروف أن الشيطان ذكي يعرف صفات الإنسان ويدرك طباعه ويفهم ميوله ويحاول دائماً أن يستخدمها أو بالأحرى يستخدم ضعفاته للإيقاع به في الخطية. وكل من يتأثر بأعمال الشيطان ويسير في طرقه يصبح وكيلاً له في التغرير بالآخرين وإيقاعهم في حبائل الشر والخطية والرذيلة. فعلى هذا الأساس يشير الكتاب المقدس إلى أن كل من يعمل أعمال الشيطان يصبح ابناً للشيطان (يوحنا 44:8 و1يوحنا 8:3 و10). كما أن السيد المسيح قال عن تلميذه الخائن "يهوذا الإسخريوطي" الذي سلمه لأعدائه مقابل ثلاثين من الفضة بأنه شيطان (يوحنا70:6 ).


طرق الشيطان للإيقاع بالناس:


يخبرنا الكتاب المقدس أن الشيطان وأعوانه لا يستخدمون طريقة واحدة معينة لإيقاع الناس في شرك الشر والخطية، بل يستعملون طرقاً تختلف من شخص لآخر ومن حادثة لأخرى، ولكن في النهاية ترمي كلها إلى غواية الناس وإيقاعهم في الشر والخطية، وإليك بعض الأمثلة:
لقد ظهر الشيطان لآدم وحواء بشكل حية، وصور لهما أن عصيان الله هو لخيرهما (تكوين 3).
وجرب أيوب الصدّيق بقتل أولاده وأفراد عائلته ثم القضاء على ممتلكاته، حتى يكون ذلك وسيلة كي يبتعد أيوب عن عبادة الله، غير أنه فشل (أيوب 1 و2).
وحاول أن يجرب المسيح بثلاث تجارب مختلفة (لوقا 4).
يظهر أحياناً بشكل تنين (رؤيا13:16 ) ويمنع الناس عن فعل الخير (مرقس 15:4) ويصد الناس عن إتمام مقاصدهم (زكريا 1:3-2).
وأطلقت كلمة "شياطين" في حالة الجمع على الأرواح الشريرة (مرقس 34:1 ولوقا 33:4 ولوقا29:8 ). وقد ورد في الإنجيل المقدس في أكثر من موضع بأن هذه الأرواح سكنت في الناس، وهي رسل مرسلة من قبل الشيطان وتعمل تحت إمرته وسلطانه. وكانت تلك الأرواح الشريرة أيضاً تدخل الناس والبهائم فتحدث فيهم أعراض الصرع والجنون.


حقيقة دخول الأرواح الشريرة في الناس:

بالرجوع إلى الإنجيل المقدس، نلاحظ أن دخول الشيطان في الناس كان أمراً حقيقياً. وقد ظهر ذلك في أشكال متعددة ولا سيما على هيئة أمراض جسدية وعقلية وعاهات أخرى كالخرس (متى 9) والعمى (متى 12) والصرع (مرقس 9) والجنون (متى 8). وقد أخرج الرب يسوع هذه الشياطين بقوته الإلهية، كونه الإله المتجسد، بمحبته ورحمته للذين كان يشفيهم، وإظهاراً لمجد الله. وفي بعض الأحيان، عرف الشياطين يسوع يقيناً، وخافوا الدينونة، وكانوا ينتقلون من شخص إلى آخر وإلى البهائم. وقد وجدوا أنفسهم مرغمين على التصريح بأن المسيح هو ابن الله العلي، كما ورد في قصة المجنون الذي خرج من بين القبور، وأخرج المسيح منه الأرواح النجسة . وقد صرّح المسيح أيضاً بأن الأعراض المذكورة أعلاه تكون أحياناً نتيجة عمل الشيطان (متى 2 ولوقا 4 و10).
وعلينا أن لا ننسى أن الشيطان ما زال يعمل في العالم حتى اليوم بطرق مختلفة، وهو يحرّضنا بطرق خفية على العمل ضد إرادة الله، وعدم محبة الآخرين، ويولد فينا روح الحسد والكبرياء والانتقام والغش والخداع والسرقة والقتل والزنا والاشتهاء وكل ما يؤول إلى إغاظة الله والعمل ضد إخواننا بني الإنسان. فكثيراً ما نسرق بعضنا البعض، ونشهد شهادة زور ضد بعضنا البعض، ونحاول أن نستغل غيرنا، ونستولي على أموال غيرنا بطرق مشروعة وغير مشروعة. ونظن في أنفسنا أن مثل هذه الأعمال هي نتيجة الذكاء والمهارة، ومثل هذه الأعمال تؤكد أن الشيطان ما زال يعمل في عالمنا بطرق مختلفة.


كيفية التخلص من الشيطان وأعماله:


لا شك أننا نستطيع التغلب على الشيطان وملائكته بواسطة حياتنا مع الله والاتكال عليه كلياً. لأنه عندما يكون الله معنا فمن يقدر علينا كما يقول الكتاب المقدس "إن كان الله معنا فمن علينا" (رومية31:8).ويقول الكتاب المقدس "البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس.." (أفسس 11:6-17). وعلينا أن نثبت في حياتنا برئيس الإيمان ومكمله يسوع المسيح القادر أن يحفظنا من كل شر...(عبرانيين25:7)