في تلك الأيام، بينما كان مردخاي جالساً في باب الملك، غضب بغثان وترش خصيا الملك حارسا الباب، وطلبا أن يمدا أيديهما إلى الملك أحشويروش. فعُلِمَ الأمر عند مردخاي ( أس 2: 21 ،22)
مَنْ هو مردخاي هذا حتى يكون هو الوحيد الذي يعلم بمحاولة اغتيال الملك؟ أليس هو مجرد رجل يهودي جُلب من بلاده مسبياً؟ ثم ما هي مكانته ووظيفته؟ أليس هو مجرد واحد من العبيد الكثيرين ( أس 3: 2 ) الجالسين بباب الملك لتلبية أوامر خدامه؟ ثم ما هي وظيفته بالنسبة لوظيفة بغثان وترش واضعاً خطة الاغتيال، واللذين كانا حارسا باب الملك، ويقيناً كانا قد أحاطا خطتهما بستار كثيف من الطي والكتمان؟ ثم أين جهاز مخابرات الملك؟ أين جواسيسه؟ أين بقية حراسه وضباطه؟ مَنْ هو مردخاي هذا حتى أنه هو وحده يعلم؟
وما يزيد الواقعة غموضاً، أن الكتاب لا يذكر أي نشاط إيجابي بذله مردخاي يجعله دون غيره يعلم بمحاولة الاغتيال قبل وقوعها، بل على العكس يحرص الكتاب على أن يذكر أن مردخاي كان جالساً! ليؤكد لنا أنه لم يبذل أي جهد من جانبه ليعلم. ولذا يقف العقل حائراً متسائلاً: "كيف علم مردخاي بالأمر؟ ولماذا هو وحده الذي علم؟"
لكن الإيمان لا يحتار أبداً، بل هو يعرف يقيناً كيف علم مردخاي، حتى وإن كانت لا توجد عبارة صريحة. وهنا يستند الإيمان على إعراب فعل العلم، فكلمة "عُلِمَ" مبنية للمجهول، فالفاعل الذي أعلم مردخاي هو شخص مجهول، ومَنْ يا ترى هذا الفاعل المجهول في هذا السفر، الذي فعل الكثير دون أن يُذكر اسمه، سوى الله العليم؟
ألا تذكِّرنا هذه العبارة المختصرة الرائعة "عُلِمَ الأمر عند مردخاي" بأخرى تُشبهها كثيراً ولا تقل روعة، والعجيب أنها قيلت أيضاً بصدد ما حدث مع تقي مسبي آخر، عندما صلى دانيال مع رفقائه بخصوص حلم نبوخذ نصر، يقول الكتاب "حينئذ لدانيال كُشف السر" ( دا 2: 19 1تي 1: 17 ).
نعم، أيها الأحباء، فالأحداث لا تحدث عشوائياً كما يقول الملحدون، وحاضرنا ومستقبلنا لا تنسجهما الصدف كما يدَّعي الوجوديون، بل لنا إله عظيم يصنع الأحداث ويتقن الدهور. هو الدائم غير المتغير، هو صانع الدهور، ولذا يليق به وحده أن يكون ملكها. وهو ليس مجرد مراقب للأحداث، بل هو صانع لها.
د.ماهر صموئيل
مَنْ هو مردخاي هذا حتى يكون هو الوحيد الذي يعلم بمحاولة اغتيال الملك؟ أليس هو مجرد رجل يهودي جُلب من بلاده مسبياً؟ ثم ما هي مكانته ووظيفته؟ أليس هو مجرد واحد من العبيد الكثيرين ( أس 3: 2 ) الجالسين بباب الملك لتلبية أوامر خدامه؟ ثم ما هي وظيفته بالنسبة لوظيفة بغثان وترش واضعاً خطة الاغتيال، واللذين كانا حارسا باب الملك، ويقيناً كانا قد أحاطا خطتهما بستار كثيف من الطي والكتمان؟ ثم أين جهاز مخابرات الملك؟ أين جواسيسه؟ أين بقية حراسه وضباطه؟ مَنْ هو مردخاي هذا حتى أنه هو وحده يعلم؟
وما يزيد الواقعة غموضاً، أن الكتاب لا يذكر أي نشاط إيجابي بذله مردخاي يجعله دون غيره يعلم بمحاولة الاغتيال قبل وقوعها، بل على العكس يحرص الكتاب على أن يذكر أن مردخاي كان جالساً! ليؤكد لنا أنه لم يبذل أي جهد من جانبه ليعلم. ولذا يقف العقل حائراً متسائلاً: "كيف علم مردخاي بالأمر؟ ولماذا هو وحده الذي علم؟"
لكن الإيمان لا يحتار أبداً، بل هو يعرف يقيناً كيف علم مردخاي، حتى وإن كانت لا توجد عبارة صريحة. وهنا يستند الإيمان على إعراب فعل العلم، فكلمة "عُلِمَ" مبنية للمجهول، فالفاعل الذي أعلم مردخاي هو شخص مجهول، ومَنْ يا ترى هذا الفاعل المجهول في هذا السفر، الذي فعل الكثير دون أن يُذكر اسمه، سوى الله العليم؟
ألا تذكِّرنا هذه العبارة المختصرة الرائعة "عُلِمَ الأمر عند مردخاي" بأخرى تُشبهها كثيراً ولا تقل روعة، والعجيب أنها قيلت أيضاً بصدد ما حدث مع تقي مسبي آخر، عندما صلى دانيال مع رفقائه بخصوص حلم نبوخذ نصر، يقول الكتاب "حينئذ لدانيال كُشف السر" ( دا 2: 19 1تي 1: 17 ).
نعم، أيها الأحباء، فالأحداث لا تحدث عشوائياً كما يقول الملحدون، وحاضرنا ومستقبلنا لا تنسجهما الصدف كما يدَّعي الوجوديون، بل لنا إله عظيم يصنع الأحداث ويتقن الدهور. هو الدائم غير المتغير، هو صانع الدهور، ولذا يليق به وحده أن يكون ملكها. وهو ليس مجرد مراقب للأحداث، بل هو صانع لها.
د.ماهر صموئيل
No comments:
Post a Comment