قصة اليوم قصة أخوين اثنين، دبت الغيرة في قلب أحدهما.
إنها قصة أولاد آدم وحواء....فقد رزق هاذان مولودا ذكرا
أسمياه قايين. كان قايين ثمرة حبهما ومحور حياتهما وشغلهما
شأن. شاء قايين مثله كمثل باقي الأطفال واستوحذ على
حب والديه كله...فرحة قايين بحب والديه كانت كبيرة وعظيمة
ولكنها لم تدم طويلا. ففي يوم من الأيام فوجئ قايين بوالديه
وقد أنجبا له أخا صغيرا...بدأة ذي بدء فرح قايين بالمولود
الجديد هابيل وطرب بحياته. غير أنه ومع مرور الأيام بدأ يشعر
بتغيير خطر يعم أرجاء بيته. أفاق قايين ليرى والديه
وهما يحيطان بأخيه هابيل ليغرقا عليه الحب والرعاية والتكريم.
وأدرك قايين أنه لم يعد محط أنظار والديه الوحيد وأن أخا
غريبا قد دخل في مملكته وليتربع على العرش بجواره. وبدأت
غيرة عظيمة تدب في قلب قايين وبدأ غيظ شديد يرغي ويزبد في عروقه.
ومرت الأيام وكبر الأخوان ومعهما كبرت غيرة الأكبر من أخيه الأصغر.
وجاء الوقت ليفترق الاثنان وليذهب كل في طريقه.
فاختار قايين أن يكون مزارعا واختار هابيل أن يصير صيادا.
ولكن رغم انفصالهما بقيت الغيرة تتراكم في نفس قايين كتراكم القش
اليابس في الحقول. وفي أحد الأيام وعندما ذهب الاثنان للمثول أمام الله،
وقعت الواقعة، إذ قبل الله تقدمة هابيل الحيوانية ورفض تقدمة قايين النباتية.
أما لماذا قبل الله تقدمة هابيل ورفض تقدمة قايين فسر غامض
لا يكشف الكتاب المقدس النقاب عنه. إلا أننا نقرأ في سفر العبرانيين
أن هابيل قدم قربانه بالإيمان فلذلك قبل من الله.
قبول الله لتقدمة هابيل أثار ثائرة قايين وأشعل النار في قلبه
فأعد هذا العدة للتخلص من أخيه فقتله. إنها الغيرة التي إن
حبلت ولدت الغيظ والكره، والقتل والموت.
ومن يومها والإنسان ماض لقتل أخيه الإنسان. فكم من هابيل قد
قتل منذ مطلع التاريخ وحتى يومنا هذا؟ وكم مسكين سقط ولكن ليس
بسكين الغريب بل بسكين القريب؟ وكم إنسان صرع ولكن ليس بطعنة
خنجر ولا بضربة فأس وإنما بنظرة مكر أو بكلمة حقد،
أجل، صفحة القتل لم تطو في تاريخ البشرية رغم تقدم الإنسان
وازدهاره. بل لقد فتحت منذ ذلك الحين صفحات كثيرة امتلأت
بأنواع عديدة مشينة من قتل ومكر. فراحت الطبقات العليا
تبطش بالطبقات الدنيا، والشعوب القوية تقتل الشعوب الضعيفة.
ويكفي القول أن عدد القتلى في الحروب هذا القرن قد زاد على الثمانين مليونا.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما هو موقف الله من قتل
الإنسان لأخيه الإنسان؟ قد نخال الله مرارا كثيرة ساكنا صامتا
مكتوف الأيدي وبلا حراك. فكثيرا ما يسمح للإنسان بغدر أخيه الإنسان،
كثيرا ما يترك الإنسان يقتل أخاه الإنسان.
ولكن رغم هذا فالله لا يقف من جرائم القتل موقف المتفرج بل نراه يواجه القاتل
بسؤال واحد فقط وهو: قايين، أين هابيل أخوك؟ وسؤال الله
هذا ما زال يدوي عبر القرون: أيها الإسرائيلي أين أخوك الفلسطيني؟
أيها المسلم! أين أخوك المسيحي؟ أيها المسيحي، أين أخوك المسلم واليهودي؟
أيها اللوثري! أين أخوك اللوثري، أيها الإنسان، أين أخوك..؟
وجواب قايين لله هو جواب الإنسان على مدى العصور: لا أعلم، أحارس
أنا لأخي؟ لا أعلم، وهل مسؤول أنا عن أخي؟ لا أدري أين أخي
وهل أنا عريف عليه؟ كان هذا جواب الكاهن واللاوي اللذين مرا
بالسامري المضروب والمسلوب فظنا أنهما غير مسؤولين عنه،
فتركاه ليموت على قارعة الطريق. وهو جواب الدول المتقدمة لمشكلات
الدول النامية: هل نحن مسؤولون عن تخلفكم ومشاكلكم ؟
هل نحن مسؤولون عن اقتصادكم وتطوركم؟
ظن قايين أن بقوله لا أعلم سيرتاح، ولكن ألم تجد الراحة
طريقها إلى قلبه، وبدلا منها دخل الخوف والقلق والأرق.
حقا لقد استطاع قايين أن يقضي على أخيه وأن يسكت صوته ولكن
صوتا أقوى ظل يصرخ في وجهه، إنه صوت دم أخيه الذي صعد
إلى الله ودخل أذنيه. صوت دم أخيه ظل يطارد قايين ككابوس مزعج
في ليله ونهاره في نومه وصحوه.
قد يتخلص الإنسان من صوت أخيه ولكنه لن يستطيع أن يتخلص
من صوت ضميره، بل سيبقى هذا يكبله...
ومنذ ذلك الوقت وقايين تائه في الأرض محاولا الهرب من صوت دم
أخيه ومن صوت ضميره. أنه مطارد يحاول الاختباء عن أعين الله والعدالة.
إن الله لا يحاكم القاتل بالقتل ولا بالشنق أو بالكرسي الكهربائي وإنما
بالخوف والقلق والأرق. إذ يجعل من الإنسان المطمئن إنسانا مضطرب
الأعصاب قلق الأفكار.
لقد نهى الله في الوصايا العشر الإنسان عن قتل أخيه الإنسان،
وقد فعل ذلك ليحافظ على حياة الإنسان وليبعد الخوف عن قلب الإنسان.
أما يسوع فلم يكتف بهذه الوصية بل يقول في عظته على الجبل:
"سمعتم أنه قيل للأولين: لا تقتل، فإن من يقتل يستوجب القضاء،
أما أنا فأقول لكم: من غضب على أخيه باطلا استوجب القضاء، ومن قال لأخيه
"يا أحمق". استوجب حكم المجلس. ومن قال له يا جاهل: استوجب نار جهنم.
لقد رأينا في قصة قايين وهابيل كيف أن جريمة القتل لم تأت
صدفة بل كانت نتيجة للحقد والغيرة المتراكمة في قلب قايين.
لذلك قال يسوع: فإذا كنت تقرب قربانك إلى المذبح وذكرت هناك أن
لأخيك عليك شيئا، فدع قربانك قدام المذبح هناك، واذهب قبل ذلك
وصالح أخاك، ثم عد وقرب قربانك.
لقد أعطانا المسيح وصية جديدة وهي أن نحب بعضنا بعضا.
بالطبيعة أيها الأحباء، نحن أبناء آدم وحواء، نحن أخوة قايين وهابيل،
أما بالمسيح، فقد أصبحنا أبناء آدم الجديد، أبناء الله،
فلسنا بعد أبناء قتلة بل أبناء المحبة.
No comments:
Post a Comment