Saturday, August 29, 2009

تخصُّصات في العمل الشيطاني

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث


كما أنه توجد في العِلم تخصُّصات، هكذا أيضاً في أعمال الشياطين تخصُّصات متعدِّدة يتقنها أخصائيون من الشياطين، لهم بها معرفة وخبرة .. نذكر من بينها:

(1) شيطان مُتخصِّص في التخدير: ذلك أنه حينما يكون الإنسان متيقظاً ومتنبهاً لخلاص نفسه، صاحياً عقلاً وروحاً، فإنه من الصعب أن يسقط. وهكذا قال أحد الآباء إن الخطية يسبقها إمَّا الشهوة أو الغفلة أو النسيان. فهذه الحالة الأخيرة، حالة الغفلة والنسيان، هى تخدير من الشيطان للإنسان.

بالتخدير ينساق الشخص إلى الخطية، كأنه ليس في وعيه. يخدِّره الشيطان بحيث ينسى كل شيء، ما عدا الخطية. فتكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره مُركَّزة في الخطية وحدها. وأمَّا كل ما عداها فلا يحسّ به الإنسان إطلاقاً، كأنه قد نسيه تماماً!

ينسى علاقته باللَّه. وينسى كل وصايا اللَّه. وينسى مبادئه واحتراسه. وينسى وعوده للَّه وتعهداته. وينسى نقاوة قلبه. وينسى أيضاً نتائج الخطية عليه وعلى غيره وينسى عقوبات اللَّه وإنذاراته. ويكون كأنه مخدَّر تماماً، لا يعرف إلاَّ الخطية. ولا يفيق إلاَّ بعد السقوط، حينما يكون كل شيء قد انتهى!!

وقد يفيق الإنسان بعد الخطية مباشرة، ورُبَّما بعد مدة طويلة. فيهوذا مثلاً لم يفق إلاَّ بعد فوات الفرصة ...

وهناك مَن يفيق من تخديره فيتوب. وهناك مَن يفيق، فيُصاب بصغر نفس أو قد ييأس..

لذلك هناك نصيحتان أقدمهما لك، إذا خدَّرك الشيطان:

الأولى: أن تفيق بسرعة. وهذا لا يتوفَّر إلاَّ إذا كان قلبك من الأصل محباً للفضيلة. واحذر من أن تستمر مُخدَّراً بالخطية إلى أن تصبح عادةً! أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلى نتائج سيئة جداً ...

والنصيحة الثانية: هى أنك حينما تفيق، إنما تفيق إلى توبة حقيقية وسريعة، وليس إلى يأس أو صِغر نفس. واستخدم الندم وإنسحاق القلب لنفعك الروحي.

(2) شيطان الخجل: إنَّ الخجل يكون فضيلة إذ أحسن الإنسان استخدامه. ولكن الشيطان كثيراً ما يستخدمه بطريقة تساعد على السقوط.

كإنسان كان جالساً وسط أُناس، وبدأوا يتكلَّمون كلاماً رديئاً من الناحية الأخلاقية، أو يتحدَّثون بالسوء في سيرة شخص ما له مكانته ويشهِّرون به، أو يسردون قصصاً غير لائقة.. وهذا الإنسان الجالس بينهم لم يكن يتوقَّع كل هذا. فيُفكِّر أن يتركهم وينسحب. ولكن شيطان الخجل يمنعه ويستمر في البقاء. أو أنه يُفكِّر أن يقول لهم: " هذا الحديث لا يليق ". ولكن شيطان الخجل يمنعه. فيستمر جالساً يستمع. ويمتلئ عقله بأفكار ما كان يجب أن تجول بذهنه.

وأحياناً أخرى يدفعه شيطان الخجل أن يوقِّع على تزكية لا يوافق عليها ضميره. وذلك خجلاً من الشخص المُزكَّى!

أو يوقِّع على بيان أو قرار، هو في أعماق غير راضٍ عنه! أو يشترك في مدح إنسان لا يستحق ذلك .. وإن حاول أن يمتنع عن كل ذلك، يدفعه شيطان الخجل!

وقد يجعل الشيطان فتاة أن تخجل من ملابسها المحتشمة، بحجة أن التيار العام ضد ذلك!

وبالمثل قد يجعل شاباً متديناً أن يرفض سيجارة يُقدِّمها إليه زميل أو أستاذ له، بحجة عدم جرح شعوره!

وكم من خطايا يقع فيها الإنسان بسبب شيطان الخجل...!

والمفروض أن يرفض المتدينون هذا الخجل، أو يجدون سبباً يبعدون به عن الإحراج بلباقة. أو أن يكون الشاب المتدين قوي الشخصية يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين. أو على الأقل يبعد تماماً عن الصحبة أو المناسبات التي تُعرِّضه لشيطان الخجل.

والعجيب أن الروحيين يخجلون أحياناً من تدينهم، بينما تكون للخاطئين جرأة وجسارة في التباهي بأخطائهم.

(3) شيطان الوقت الضائع: الذي يضيع وقته في تفاهات، بلا أدنى فائدة روحية أو عقلية
أو صحية، وبلا فائدة للآخرين.

لا يهم الشيطان أن ترتكب خطية في هذا الوقت، بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع بينما هو جزء من عمرك!

والأمثلة كثيرة لهذا الوقت الضائع، ومنها: أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة لك منها، وتكون بلا حجة. ومجادلات ومناقشات لا جدوى منها سوى تعب الأعصاب وضياع الوقت. وزيارات وسهرات وترفيهات زائدة عن الحد. ومسليات تأخذ كل الوقت، وتعطل إيجابيات هامة في حياتك مثل جلوس البعض في المقاهي، والكلام وقتل الوقت .. وطبيعي أن الذي يقبل ضياع وقته، تكون حياته رخيصة في عينيه ..

(4) شيطان التأجيل: إنَّ الشيطان يريد بكل جهده أن يمنعك من كل أعمال البِرّ. فإن وجدك مقدماً على عمل فضيلة مُعيَّنة، لا يمنعك عنها صراحة لئلا يكشف نفسه، وإنما يدعوك إلى التأجيل.

يقول لك: لماذا الإسراع؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت. رُبَّما التريث يعطينا فرصة لفحص الأمر بطريقة أعمق، أو لإختيار أسهل السُّبُل للوصول إليه، أو يعطينا مزيداً من الاقتناع ... على أيَّة الحالات عندنا بعض أمور هامة حالياً، ما أن ننتهي منها، حتى نقوم بعمل هذا البِرّ ...

والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل، أو إضاعة الفرصة، أو ترك الموضوع فرصة لعلك تنساه، أو يحدث ما يُغطِّي عليه. كأن تأتيك مشغولية كبيرة تأخذ كل اهتمامك ووقتك، أو يحدث حادث يُعطِّلك، أو تبدو عوائق مُعيَّنة تُعرقل التنفيذ، أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تقترفها، فتفتر حرارتك الروحية، فلا تنفذ ما كنت تنوي عمله من أعمال
البِرّ.

يا أخي، رُبَّما هى إحدى زيارات النعمة تدعوك. فإن أنت أجَّلت العمل، ضاع تأثيرها. إن الفرصة حالياً في يدك، فاعمل ما تريده من الخير، ولا تؤجِّل. لأنَّ التأجيل قد يكون خطوة إلى الإلغاء، يعرضها الشيطان بلباقة منه.

إن كنت مقبلاً على عمل من أعمال الرحمة، استمع إذن إلى قول سليمان الحكيم:
" لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك: إرجع فأعطيك غداً، وموجود عندك ".

كذلك إن دعاك صوت في داخلك أن تتوب، فلا تؤجِّل التوبة، لعلك لا تجد ما يدفعك إليها فيما بعد.




Sunday, August 9, 2009

إله وإنسان في شخص واحد


وكان هو نائمًا ... ثم قام وانتهر الرياح والبحر ... فتعجَّب الناس قائلين: أي إنسانٍ هذا؟ فإن الرياح والبحر جميعًا تُطيعه!
( مت 8: 24 -27)

لقد اجتمع الناسوت واللاهوت في شخص ربنا يسوع المسيح لأنه الله الظاهر في الجسد. وإن تاريخه الشخصي عندما عاش على الأرض بين الناس يبرهن على هذه الحقيقة: * تأمل في متى 8: 23- 27 فداخل القارب الشراعي نام الرب يسوع في هدوء. وهو بالتأكيد هنا إنسان، لأن الله لا ينام ( مز 121: 4 ). ولكن عندما أيقظه تلاميذه، وقد أرعبتهم الرياح الهائجة وهي تتلاعب بالقارب، انتهر الريح والبحر، فصار هدوء عظيم. وهنا أظهر أنه الله المُسيطر على قوات الطبيعة وعناصرها. ونومه يمكن أن يُنسب فقط إلى حقيقة أنه إنسان، أما سلطانه على الريح والبحر فيُنسب إلى كونه الله. وهذا يُرى أيضًا في متى14: 25 عندما مشى على البحر. وبكلمته بدأ بطرس يمشي على الماء، ولكن عندما حوَّل نظره عن الرب إلى الأمواج المُضطربة بدأ يغرق. ولكن البحر تحت سلطان الرب يسوع تمامًا، لأنه الله، وبينما هو واقف على البحر انتشل بطرس.

* وفي يوحنا9: 11 عندما استرد الرجل الأعمى بصره بعد أن أطاع تعليمات الرب، يُشير إلى الرب بالقول: «إنسان يُقال له (يُدعى) يسوع». ولكن عندما وجده الرب بعد هذا (وكان اليهود قد أخرجوه من المجمع) سأله «أ تؤمن بابن الله؟» تساءل الرجل: «مَنْ هو يا سيد لأُومن به؟» فأجابه الرب يسوع: «قد رأيته، والذي يتكلم معك هو هو» ( يو 9: 37 )، قال الرجل في الحال: «أُؤمن يا سيد. وسجد له». وقد قبل الرب يسوع سجود هذا الرجل له، بينما لم يقبل بطرس أن يسجد كرنيليوس له ( أع 10: 25 ، 26)، ولم يسمح الملاك أيضًا ليوحنا أن يسجد له ( رؤ 22: 8 ، 9)، لأن السجود لله وحده ( مت 4: 10 ). وقد قَبل الرب السجود في عدة مناسبات دون اعتراض، لأنه هو الله، وهو أيضًا إنسان حقًا، كما قال الرجل الأعمى عنه. وهذا قليل من كثير من الآيات التي تشهد لمعجزة اتحاد مجد الله الفائق والنعمة البشرية الجاذبة في شخص واحد مُمجَّد إلى الأبد. كم يملأنا هذا بالرهبة، والدهشة والتمجيد إلى الأبد


ليزلي غرانت