Saturday, September 6, 2008

مقال عن الأقنوم بقلم حامى الايمان




ما معنى كلمة أقنوم؟




Hypostasisكلمة اقنوم باليونانية هى هيبوستاسيس، وهى مكونة من مقطعين: هيبو وهى تعنى تحت، وستاسيس وتعنى قائم أو واقف، وبهذا فإن كلمة هيبوستاسيس تعنى تحت القائم ولاهوتيا معناها ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة. والأقنوم هو كائن حقيقى له شخصيته الخاصة به، وله إرادة، ولكنه واحد فى الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير إنفصال.

* من هم الاقانيم الثلاثة؟

الأقانيم الثلاثة هما الاب والابن والروح القدس: فالآب هو الله من حيث الجوهر، وهو الأصل من حيث الأقنوم. والابن هو الله من حيث الجوهر، وهو المولود من حيث الأقنوم. والروح القدس هو الله من حيث الجوهر، وهو المنبثق من حيث الأقنوم.

* كيف أن الجوهر الإلهى واحد ومع هذا فإن هناك ثلاثة أقانيم متمايزة ومتساوية؟

لشرح فكرة الجوهر الواحد لثلاثة اقانيم متمايزة ومتساوية فى الجوهر نأخذ مثالاً مثلث من الذهب الخالص، له ثلاثة زوايا متساوية أ، ب، جـ

الرأس (أ) هو ذهب من حيث الجوهر
.
الرأس (ب) هو ذهب من حيث الجوهر.
الرأس (جـ) هو ذهب من حيث الجوهر.

فالرؤوس الثلاثة لهم جوهر واحد، وكينونة واحدة، وذهب واحد، هو جوهر المثلث ولكن (أ) ليس نفسه هو (ب)، (ب) ليس نفسه هو (جـ)، (جـ) ليس نفسه هو (أ) لأن (أ) لو كان هو (ب) لانطبق الضلع (أ جـ) على الضلع (بجـ) وبذلك ينعدم الذهب لو طبقنا نفس الفكرة بالنسبة للثالوث القدوس: الآب هو الله من حيث الجوهر. الابن هو الله من حيث الجوهر. الروح القدس هو الله من حيث الجوهر.
والثلاثة يتساوون فى الجوهر والجوهر نفسه الإلهي هو فى الاب والابن والروح القدس. ولكن الآب ليس هو نفسه الابن وليس هو نفسه الروح القدس، وكذلك الابن ليس هو نفسه الروح القدس وليس هو نفسه الآب، وكذلك الروح القدس ليس هو نفسه الآب وليس هو نفسه الابن.



* هل يمكننا أن نقول إن الكينونة فى الثالوث القدوس قاصرةعلى الآب وحده؟ والعقل قاصر على الابن وحده؟ والحياة قاصرة على الروح القدس؟


لا... لا يمكننا أن نقول هكذا، فينبغى أن نلاحظ أنه طبقا لتعاليم الآباء فإن الكينونة أو الجوهر ليس قاصرا على الآب وحده، ففى قداس القديس غريغوريوس النزينى نخاطب الابن ونقول: (أيها الكائن الذى كان والدائم إلى الأبد)، لأن الآب له كينونة حقيقية وهو الأصل فى الكينونة بالنسبة للابن والروحالقدس، والابن له كينونة حقيقية بالولادة الازلية، والروح القدس له كينونة حقيقية بالانبثاق الأزلى، ولكن ليس الواحد منهم منفصلا فى كينونته أو جوهره عن الآخرين.


وكذلك العقل ليس قاصرا على الابن وحده، لان الآب له صفةالعقل والابن له صفة العقل والروح القدس له صفة العقل، لأن هذه الصفة من صفات الجوهر الالهى. وكما قال القديس اثناسيوس الرسول: (إن صفات الآب هى بعينها صفات الابن إلا صفة واحدة وهى أن الآب آب والابن ابن. ثم لماذا تكون صفات الآب هى بعينها صفات الابن؟ إلا لكون الابن هو من الآب وحاملا لذات جوهر الآب)، ولكننا نقول إن الابن هو الكلمة (اللوغوس) أو العقل المولود أو العقل المنطوق به، أمامصدر العقل المولود فهو الآب.


وبالنسبة لخاصية الحياة فهى أيضا ليست قاصرة على الروح
القدس وحده لان الآب له صفة الحياة والابن له صفة الحياة والروح القدس له صفةالحياة، لأن الحياة هى من صفات الجوهر الجوهر الالهى. والسيد المسيح قال: (كما ان الآب له حياة فى ذاته كذلك أعطى الابن ايضا أن تكون له حياة فى ذاته) (يو 5: 26). وقيل عن السيد المسيحباعتباره كلمة الله: " فيه كانت الحياة " (يو 1: 4). ولكن الروح القدس نظرا لأنه هو الذى يمنح الحياة للخليقة لذلك قيل عنه إنه هو: (الرب المحيى) (حسب قانون الايمان والقداس الكير لسى)، وكذلك كأنه هو (رازق الحياة) أو (معطى الحياة) .

من الخطورة أن ننسب الكينونة إلى الآب وحده، والعقل إلى الابن وحده، والحياة إلى الروح القدس وحده، لأننا فى هذه الحالة نقسم الجوهر الالهى الواحد إلى ثلاث جواهر مختلفة. أو ربما يؤدى الأمرإلى أن ننسب الجوهر إلى الآب وحده (طالما أن له وحده الكينونة)، وبهذا ننفى الجوهر عن الابن والروح القدس، أو نلغى كينونتيهما ويتحولان بذلك إلى صفات لأقنوم إلهى وحيد هو أقنوم الآب.

* هل هناك علاقة بين طبيعة الله (الله محبة) وبين فهمنا للثالوث القدوس؟

نعم هناك علاقة أكيدة: إن مفتاح المسيحيه كما نعلم – هو ان "الله محبة" (رسالة يوحنا الاولى4: 8، 16). ونحن نسأل من كان الآب يحب قبل أن يخلق العالم والملائكة والبشر؟ إذا أحب الآب ،
نفسه يكون أنانياًوحاشا لله أن يكون هكذا، إذاًلابد من وجود محبوب كما قال السيد المسيح فى مناجاته للاب قبل الصلب: " لأنك أحببتنى قبل إنشاء العالم " (يو 17: 24)... وبوجود الابن قبل إنشاء العالم وفوق الزمان أى قبل كل الدهور، يمكن أن نصف الله بالحب أزلياً وليس كأن الحب شيئ حادث أو مستحدث بالنسبة للآب. فالأبوة والحب متلازمان، طلما وجدت الأبوة فهناك المحبة بين الآب والابن. ولكن الحب لايصير كاملا إلا بوجود الأقنوم الثالث، لأنالحب نحو الأنا هو أنانية وليس حباً، والحب الذى يتجه نحو الآخر الذى ليس آخر سواه (المنحصر فى آخر وحيد) هو حب متخصص رافض للإحتواء (exclusive love) بمعنى أنه حب ناقص ولكن الحب المثالى هو الذىيتجه نحو الآخر وعلى كل من هو آخر (inclusive love) وهنا تبرز أهمية وجود الأقنوم الثالث من أجل كمال المحبة.
وإذا وجدت الخليقة فى أى وقت وفى أى مكان فهى تدخل فى نطاق هذا الحب اللانهائى، لأن مثلث الحب هنا هو بلا حدود ولا مقاييس. هذا الحباللانهائى الكامل يتجه أيضاً نحو الخليقة حيثما وحينما توجد، كما قال السيدالمسيح للآب: " ليكون فيهم الحب الذى أحببتنى به وأكون أنا فيهم "(انجيل يوحنا 17: 26)...

إن الحب الكامل هو الحب بين الأقانيم الثلاثة وهذا هو أعظم حب فى الوجودكله.

لكن قد يسأل سائل لماذا لا تكون الأقانيم أربعة أو خمسة؟

وللرد نقول إن أى شيئ ناقص فى الله يعتبر ضد كماله الإلهى، كما أن أى شيئ يزيد بلا داع يعتبر ضد كماله الإلهى. إن مساحة مثلث الحب هذا هى ما لا نهاية، أى أن مساحة الحب بين الأقانيم الثلاثة هى ما لا نهاية، ومثلث الحب هذا يتسع حتى يشمل كل الخليقة، فأى كائن يقع داخل نطاق المثلث يشمله هذا الحب، فما الداعى لرأس
رابع أو خامس؟